ليونيد بيرشيدسكي
TT

«غوغل» و«أوراكل» و«ناسبيرز»... خلافات بين العمالقة

ربما يتمثل الجانب الأكثر إثارة للحيرة بخصوص الحكم الذي أصدرته المفوضية الأوروبية ضد «غوغل» العام الماضي، وتضمن تغريمها 2.42 مليار يورو (3 مليارات دولار)، أن الإجراء التصحيحي الذي سُمح للشركة باتخاذه لم يجعل السوق المعنية، البحث في مجال التسوق، أكثر إنصافاً أو إتاحة أمام عناصر أقل حجماً عما كان عليه الحال قبل صدور الحكم. والآن، ثمة سبب لتوقع أن يأتي الحكم في قضية أخرى ترتبط بـ«غوغل» -تلك المتعلقة بمعاملة الشركة للجهات المصنعة للهواتف التي تعتمد على نظام تشغيل «أندرويد» الصادر عن «غوغل»- على ذات الدرجة من غياب التأثير فيما يخص إضفاء قدر أكبر من العدالة على المنافسة.
جدير بالذكر أن مراسلي «بوليتيكو» اكتشفوا أن «فيرسرتش» - المنظمة غير الهادفة للربح التي تقدمت بالشكوى الخاصة بـ«أندرويد» عام 2013 - تقع تحت السيطرة القانونية الكاملة لشركتين عملاقتين: «أوراكل»، التي يوجد مقرها في الولايات المتحدة، و«ناسبيرز» ومقرها جنوب أفريقيا، والتي تملك أسهماً في «تنسنت» الصينية و«ميل. رو» الروسية. وقت تقديم الشكوى، كانت «مايكروسوفت» أيضاً جزءاً من هذه الجهود، لكنها رحلت عن «فيرسرتش» عام 2015، وثمة شركات أخرى ورد ذكرها باعتبارها أعضاء في ملكية «فيرسرتش»، لكن يطلق عليها أعضاء، إلا أنها تملك حق التصويت و«لا تشارك على نحو نشط في إنجاز أهداف المنظمة».
ويبدو هذا منطقياً إلى حدّ ما: ذلك أن الشركات الصغيرة لا تملك المال الوفير الذي يمكنها من الاستعانة بمحامين مرتفعي الأجر، ومستشارين بارزين في مجال العلاقات العامة (تتعاون «فيرسرتش» مع شركات صفوة مثل «كليفورد تشانس» و«بيرسون مارستيلير»).
من ناحيتها، رفضت «فيرسرتش» النتائج التي خلصت إليها «بوليتيكو» باعتبارها غير مدعومة بحقائق، وقد ساند هذا الموقف بعض الأعضاء في ملكية المنظمة ممن لا يملكون حق التصويت. ومع هذا، تبدو الدلالة الرئيسة واضحة: فإذا انحسر الأمر في النهاية في رغبة «أوراكل» و«ناسبيرز» في الإبقاء على «غوغل» تحت السيطرة، فإن أي حكم صادر في هذا الإطار ربما يعاقب «غوغل»، لكنه لا يعود بنفع على المستهلكين والشركات الأصغر.
وكان هذا تماماً ما حدث العام الماضي، ذلك أن «غوغل» التي تحتكر البحث عبر الإنترنت تعرضت لصفعة قوية تمثلت في فرض غرامة عليها، بسبب دفعها مقترحاتها لدى بحث أي مستخدم عن منتجات لشرائها، وتعمد إلى دفن النتائج المنافسة من مواقع إلكترونية مقابلة. وصدر أمر إلى «غوغل» بضرورة إصلاح هذا الوضع وصياغة آلية تعمل بنظام يشبه المزايدة، بحيث يتمكن المتنافسون من المزايدة للحصول على مساحة عبر «غوغل شوبينغ».
إلا أن الأمر لم يفلح. وليس عليك سوى تجريب البحث عن سلعة لتشتريها داخل أي دولة أوروبية، وستحصل على النتائج من «غوغل شوبينغ». من ناحيتهم، أخبرني مسؤولون في «غوغل» أن المنافسين نشروا إعلانات أيضاً، لكنني لا أعلم ما يتعين على المرء فعله للوصول إليها، أو كم عدد مرات البحث المطلوبة كي يتعثر المرء أخيراً في بديل.
فيما يتعلق بقضية «أندرويد»، والتي من المحتمل حسمها في غضون الشهور القليلة المقبلة، تكمن الفكرة الأساسية في منع «غوغل» من إجبار الجهات المصنعة للهواتف على تنزيل تطبيقاتها ومنعها الدخول إلى «غوغل بلاي ستور» -الذي يشكل المصدر الرسمي لتطبيقات «أندرويد»- بالنسبة إلى المنتجين الذين يتولون تنزيل ما يعرف باسم «شوكات أندرويد»، وهي نسخ من النظام لا تدعمها «غوغل». وباعتباري أحد مستخدمي «أندرويد»، لست على ثقة كيف يمكن للاتحاد الأوروبي معاونتي في أي من ذلك.
إنني أرغب في التنزيل المسبق لتطبيقات «غوغل»، بدلاً عن النسخ المتراكمة التي لا جدوى من ورائها التي توفرها شركات مصنعة للهواتف مثل «سامسونغ». وحتى إذا لم أستطع التخلص من تطبيق موجود على هاتفي منذ اللحظة الأولى -الأمر الذي بدا عادةً أيسر مع «أندرويد» عنه مع «ماك أوس» من «آبل»- فإن الواجهات المتنوعة المتاحة للنظام يمكن تعديلها بحيث لا تظهر أمامي مطلقاً. ومن السهل بالنسبة إلى مستخدم «أندرويد» أن يستبدل المتصفح الأصلي المدمج في الجهاز إذا لم يكن المرء يستسيغ «غوغل كروم» (أنا شخصياً فعلت ذلك) واستخدام محرك بحث آخر بخلاف «غوغل» (للأسف، لم يفلح هذا الأمر - لكن ذلك لم يمنع المعنيين بالخصوصية من استخدام «دود دوك غو»، مثلاً). أما بالنسبة إلى النسخ الأخرى من أندرويد التي يطلق عليها «شوكات»، فإنها تناسب من لا يجدون مشكلة في وجود تطبيقات شائعة لا تعمل على أجهزتهم.
ومن غير الواضح كذلك كيف أن حكماً ضد «غوغل» يمكنه تناول أيٍّ من النقاط المرتبطة بالمنافسة المباشرة التي تشغل اهتمام «أوراكل» أو «ناسبيرز»؟ يذكر أن خلاف «أوراكل» مع «غوغل» يدور حول استخدام عناصر من «جافا» -لغة برمجة مملوكة لـ«أوراكل»- في «أندرويد».
أما «ناسبيرز» فهي عامل بارز في الإعلانات السرية عبر شبكة الإنترنت، وهو مجال تجاري يتصادم بصورة مباشرة مع «غوغل». ولن تستفيد الشركتان من حدوث تغيير في علاقات «غوغل» بالشركات المصنعة للهواتف.
وعلى الرغم من ذلك، يمكنك بسهولة رصد الفرحة التي سادت أرجاء «أوراكل» و«ناسبيرز» حيال تعرض «غوغل» لصفعة علنية جديدة وتكبدها غرامة ضخمة أخرى. أما مارغريث فيستايجر، المفوضة المعنية بشؤون المنافسة، فتعتبر النجم الأول بلا منازع على مستوى المفوضية الأوروبية، والتي غالباً ما يَرِد ذكرها باعتبارها الخليفة المحتمل للرئيس الحالي للمفوضية، جان كلود جنكر. ومع هذا، لا يملك المرء سوى الشعور بأن حملة الإجراءات الصارمة التي تشنها ضد الشركات التكنولوجية الأميركية لا تعدو كونها جزءاً من لعبة ضغوط من جماعات «لوبي» داخل بروكسل من قبل مؤسسات تكنولوجية عملاقة غير أوروبية.
جدير بالذكر أن «غوغل» أعلنت أن تكاليف جهود الضغط التي مارستها على مستوى الاتحاد الأوروبي تراوحت خلال عام 2016 بين 5.25 مليون و5.5 مليون يورو، وهو أحدث عام تتوافر بشأنه بيانات.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»