مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

عندما يطير العقل

ما أكثر اجتماعاتنا - أي جلساتنا - وما أقل بركتها؛ فنهرف أحياناً بما لا نعرف، وبما أنهم يقولون إن الكذب هو ملح الرجال، فحدث واغرف من هذا الملح إلى ما شاء الله.
وقبل أيام، دعيت مع من دعي إلى أحد المجالس، وشرقنا وغربنا، وتناولنا كل محظور وغير محظور من شؤون الحياة والواقع المعاصر.
كان أحد الحضور خارجاً لتوه من المستشفى، فهنأته بخروجه، واعتذرت له لأنني لم أزره بسبب سفري، فتقبل عذري بلطف، وأخذ يحكي للجميع عن موقف حصل له في المستشفى، قائلاً:
لقد أصبت بمرض كان يحرمني من النوم، وإذا نمت كان نومي ثقيلاً جداً.
وبينما كنت على سريري بالمستشفى، حمدت ربي أن عيني قد غفت، واستغرقت بالنوم، وفجأة إذا بالممرضة تهزني تريد أن توقظني دون جدوى، فما كان منها إلا أن ترش وجهي بقليل من الماء، فاستيقظت فزعاً أسألها ماذا دهاها!
فقالت لي الذكية بكل برود: لقد حان موعد أخذك للأقراص التي تساعدك على النوم.
وما إن انتهى حتى سألني عن سفرتي الأخيرة، ومجاملة مني له حكيت للجميع التالي:
كنت في الخارج مسافراً من بلد إلى بلد. وعندما كنت واقفاً في المطار أنتظر دوري لوزن الأمتعة، إذا بامرأة حسنة المظهر تقف خلفي بعربة مكدسة، فخاطبتني بكل أدب: هل تتكرم يا مسيو بأخذ إحدى حقائبي مع أمتعتك لأني أرى أنك لا تحمل سوى حقيبة واحدة؟ فلبيت طلبها بكل رحابة صدر، كأي عربي يريد أن يفزع لأي أنثى - خصوصاً إذا كانت تستاهل.
ولدى تسجيل حقائبها، تبين أن هناك نقصاً في الحجز، فطلبت منها الموظفة مراجعة الشركة، وهنا أخذت حقيبتها مني، فأنجزت معاملاتي ونزلت إلى قاعة الانتظار.
وما هي إلاّ دقائق حتى أعلنوا صعودنا للطائرة، وبالصدفة إذا كرسيها بجانب كرسيي، فسألتها كيف دبرت حالها، فقالت ما معناه: مشي الحال.. لقد دفعت الوزن الزائد، ولكنني أعتقد أنك عندما قبلت بعرضي لك، فأنت إما أن تكون طيب القلب جداً، أو أنك غير خبير في أمور السفر، فكيف تقبل تسجيل حقيبة لا تعرف ما فيها؟!
فتضاحكت محاولاً إخفاء غفلتي، قائلاً لها: من شاف وجهك المليح لا يتوقع إلاّ الخير.
لم تبلع مديحي لها، وقالت لي وكأنها تؤكد على غبائي:
إن معظم اللواتي يفعلن شيئاً كهذا من أمثالي يخفين شيئاً يعاقب عليه القانون، رغم أنني لست منهن - انتهى.
صدق من قال: إن الغباء خبز عالمي، وأنا وتلك الممرضة تقاسمنا خبزة (باغيت) من ذلك الغباء.