حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

رحلة حب !

هناك حالة مهمة من الانفتاح العظيم على أدب الروحانيات الجمالية، فالغرب لديه شغف غير مسبوق للغرف من أنهار الحب المتدفق من أشعار وأقوال وحكم جلال الدين الرومي ومعلمه شمس الدين التبريزي، وها هي رواية الكاتبة التركية إيلي شافاك «قواعد العشق الأربعون» تتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعاً حول العالم بترجماتها التي فاقت الأربعين لغة، وهي الرواية التي تعتمد على أقوال جلال الدين الرومي وقبلها بسنوات زحف نجوم «الروك آند رول» الأميركيون على نصرت خان مؤدي الغناء الروحاني المعروف في باكستان باسم «القوالي» لاستخدامه ومنحها بعداً «آخر»، وها هي رواية «موت صغير» للأديب السعودي محمد حسن علوان تفوز بجائزة البوكر للرواية العربية، وهي التي تقدم سيرة محيي الدين بن عربي الفيلسوف الروحي الذائع الصيت.
هذه الأعمال وغيرها يربط بينها جميعاً عنصر واحد هو «الحب»، والحب عنصر أساسي في الطاقة الإيجابية للأديان الصافية... جميع الأديان زكت عليها، ومنذ أيام احتفل العالم بعيد الحب المعروف بالفالانتاين وكالعادة خرجت أصوات تعترض تحت حجة أنه يجب ألا يكون في العالم يوم واحد فقط للحب، وكأن هؤلاء المعترضين «يغرقون» العالم بشلالات من الحب وهم عن ذلك بعيدون كل البعد.
إذا كان هناك ترمومتر لقياس «الحب» و«المحبة» في العالم العربي فحتماً سيصاب المتلقي بالدهشة والصدمة في آن واحد. فالطرح السائد في الشؤون العامة أبعد ما يكون عن «المحبة»، فالمواطنة بعيدة عن «حب الوطن» والتدين بعيد كل البعد عن «أحب لأخيك ما تحب لنفسك»، وإذا كان حب العمل عبادة فالإنتاجية المتدنية دليل على عكس ذلك، وإذا كانت النظافة من الإيمان فالقاذورات التي على الطرقات شهادة في ضعف الإيمان.
إن «مسيرة الحب» إن لم تترجم بعطاء كامل ومستمر وعدم الحكم على الناس بالظاهر وإساءة الظن بهم تبقى ناقصة وغير مكتملة. وكيف ترفع شعارات المحبة بينما يكون سوء الظن والحواجز هي خريطة الواقع، أو ليس في ذلك تناقض وتضارب في المواقف؟
تذكرت مقولة ابن عربي الذي يقول فيها: «كل حب يكون معه طلب لا يعول عليه»... مجتمعات تعاني من نقص حاد في فيتامينات المحبة لن تكون قادرة على التفوق والامتياز والنجاح ولا العطاء لأن المعنى واضح جدا: «إن الله (يحب) إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، والمعنى الآخر الذي هو أشد وضوحاً: «أحببت أن أعرف فخلقت الكون»، و«لا يؤمن أحدكم حتى أكون (أحب) إليه من نفسه». كل الطرق تؤدي إلى أسرار المحبة، إنها المفتاح الأعظم. بقدر ما يعبر هذا الكلام من طرح «لا مادي» بعيداً عن «أرض الواقع» بقدر ما هو قريب من السماء أيضاً، في وقت جربت فيه أساليب «أخرى»، ولدت طبقات من الشرذمة والتصنيف والطبقيات والتراتبيات، قد يكون من المفيد أن تتم تجربة طريق المحبة، نعم هي كلمات بسيطة تخرج في لحظات تأمل عميقة بعد اطلاع على حال وأحوال عالمنا الحزينة، ولا أجد في الختام سوى السؤال الذي طرحه الشاعر الغنائي العظيم إبراهيم خفاجي يوماً ما حينما سأل سؤاله الذي لا يزال باقياً معنا حتى اليوم وبعد رحيله: «وينك يا درب المحبة»؟
أي طرح عن المحبة لا يوافقها تطبيق عملي على كل أحد وعلى كل شيء لا يعول عليه.