د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

تصحيح سوق الأسهم

قبل أسبوع من اليوم (الاثنين)، هبط مؤشر «داو جونز» لسوق الأسهم الأميركية 1175 نقطة في يوم واحد، في هبوط يُعدّ الأعلى تاريخيّاً في يوم واحد، وقد كان الرقم السابق لا يتجاوز 777 نقطة. هذا الهبوط الذي يعادل 4.6 في المائة سبب حالة من الهلع في أسواق المال العالمية، نتج عنه هبوط سوق «نيكي» في اليابان بنسبة 4.7 في المائة، وسوق الأسهم الرئيسية في الصين بنسبة 3.3 في المائة والسوق الأسترالية بنسبة 3.2 في المائة. ليس مستغرباً أن تهبط مستويات السوق بهذه النسب، ولكن الجديد أن يكون هذا الهبوط ناتج عن تعاملات يوم واحد فقط!
ولا يستغرب من سوق الأسهم أن يكون الهبوط حاد (وإن كان بدرجة أقل مما يحدث الآن)، فارتفاع سوق الأسهم عادة ما يكون تدريجياً، أما هبوطه، فكثيراً ما يكون هبوطاً حاداً. ويدور الجدل في الوقت الحالي عن طبيعة هذا الانخفاض في السوق، والسؤال المطروح تحديداً: هل يعد هذا الانخفاض تصحيحاً أم انهياراً للسوق؟
يُعدّ الانخفاض في سوق الأسهم تصحيحاً إذا وصلت نسبة الانخفاض في السوق 10 في المائة من ذروة ارتفاع السوق، ولا يُعدّ الانخفاض تصحيحاً إذا كان دون هذه النسبة. أما إذا تعدى الانخفاض نسبة 20 في المائة، فيخرج من مجال التصحيح إلى الانهيار. وحتى اليوم، فإن نسبة الانخفاض في السوق الأميركية تقارب 10 في المائة، لذلك فإن الانخفاض الحالي يُعدّ تصحيحاً باتفاق السواد الأعظم من الماليين. وتهتم الشركات المالية كثيراً بتوضيح هذه المعلومة للمستثمرين، وذلك لإدخال الطمأنينة في قلوبهم، لأن آخر ما يريده جميع أطراف السوق أن يدب الذعر في قلوب المستثمرين، وحينها يحاول كل منهم النفاذ بجلده من سفينة السوق الغارقة. وصرح بعض الاقتصاديين بأن عملية التصحيح هذه تأخرت عن توقيتها المعتاد، وأنهم كانوا ينتظرونها في العام الماضي.
وتعرضت الأسواق العالمية خلال العقدين السابقين لعشر حالات انخفاض، بمعدل انخفاض كل سنتين، كان آخر هذه الحالات في عام 2015، وهو ما دفع الاقتصاديين لتوقع حدوث التصحيح في عام 2017. ثماني حالات من هذه العشر كانت عمليات تصحيح، بالإضافة إلى حالتي انهيار. حالة الانهيار الأولى كانت عام 2000 بما يعرف بفقاعة «دوت كوم»، وبلغ حينها الانخفاض نسبة 49 في المائة، والحالة الثانية كانت في أزمة 2007 المالية بنسبة 57 في المائة. وتراوحت نسب الانخفاض في حالات التصحيح بين 10 في المائة كحد أدنى (وهو الحد الأدنى المتعارف عليه لتعد عملية الانخفاض تصحيحاً) حتى نسبة 19 في المائة. ولا يعد انخفاض أسواق الأسهم مؤشراً لكساد الاقتصاد، لذلك فإن القول بالعلاقة بين هبوط أسواق المال والانهيار الاقتصادي لا يُعتَدّ به.
عملية التصحيح لسوق الأسهم أشبه ما تكون فرصة للسوق المالية بالتقاط الأنفاس بعد فترات متواصلة من الارتفاع، وهي عملية صحية للسوق بكل تأكيد. صحيح أن المستثمرين يحققون خسائر من هذا الانخفاض (خصوصاً إذا كان هذا الانخفاض حادّاً)، إلا أن الانخفاض يعطي فرصة لمستثمرين آخرين بالدخول إلى السوق، فارتفاع السوق بشكل مستمر يفيد من هم داخل السوق، إلا أنه لا يفيد من هم بخارجها، أما انخفاضها فيظهر فرصاً استثمارية لمن هم خارج السوق، وبذلك تجدد السوق جلدها بمستثمرين جدد، ويرتفع مؤشر السوق على المدى الطويل بدخول هؤلاء المستثمرين. وتختلف التحليلات بين المستثمرين بحسب نظرتهم للسوق في اختلاف يعتمد على السلوك البشري بنفس أهمية اعتماده على المعلومة العلمية.
وسأضرب مثلاً بهذا الاختلاف في وجهات النظر بما يحدث اليوم في العملات الإلكترونية؛ فبعد انخفاض «بيتكوين» من حدود العشرين ألف دولار إلى ما يقارب 6 آلاف دولار في غضون أسابيع قليلة (وهو انهيار بلا شك)، انقسم المستثمرون بين من يقول بقرب ساعة انتهاء العملات الإلكترونية، ومن يقول إنها عملية تصحيحية فقط، وإن هذه العملات لا تسلك سلوك الأسواق المالية وإنما تنفرد بسلوك مختلف. ولكن المثير للاهتمام أن هذا الانخفاض أظهر فرص شراء لمستثمرين جدد، فمن كان مترددا في شراء «بيتكوين»، وهي في سعر 15 ألف دولار، سيرى أن سعر 7000 دولار مغرٍ جدّاً للدخول، وكذلك هو الأمر تماماً لسوق الأسهم، وكما أن إيمان متداولي العملات الإلكترونية بمستقبل هذه العملات هو ما يدفعهم للبقاء في سوق هذه العملات، يبقى الفاصل في سوق الأسهم هو إيمان المستثمرين بمتانة الاقتصاد، فهو ما يدفعهم للشراء حتى مع انخفاض السوق، ومع دخولهم للسوق سيعود العرض والطلب للتوازن وهو ما سيؤدي لارتفاع السوق مرة أخرى.