علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

كتاب مؤلفاه شريك بعمله وشريك بماله!

كنت في المقال السابق أوردت أقوالاً غرائبية عن تاريخ العقيلات كان قد قالها يعقوب الرشيد في المقابلة الصحافية التي أجريتها معه، وها أنا ذا أورد أقوالاً أخرى له تبين ضعف دعواه وتضاربها وتخبطها، القائلة بأنه هو مؤلف «نجديون وراء الحدود» وليس الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم.
ما الذي جعلك تتأخر في دفع نسختك إلى المطبعة، ما دامت مكتملة ومتطابقة مع الكتاب الذي أخرجه الدكتور عبد العزيز عن دار الساقي؟
- أشياء كثيرة يتعلق بعضها بأزمة الخليج.
ألم تكن خائفاً من أن يسارع في طبعه، حين أبدى رغبته في أن يكون - كما تقول - شريكاً لك في الكتاب، ثم دبّ النزاع بينكما حول الكتاب الذي فصل فيه بورقة المخالصة؟
- بالفعل حذّرني كثير من الأصدقاء، وقالوا لي لا تتأخر به، فإن صاحبك سيطبعه.
ألاحظ على نسختك أنها تخلو من اسمك بصفتك مؤلفاً؟
- هذا طبيعي، فالنسخة التي بين يديك مشروع كتاب. وتحتاج إلى إعادة في المقدمة. إضافات أنوي إدخالها في صلب الكتاب. وتأخري في طبعة لا يعطيه الحق أن يطبعه باسمه. فالكتاب كتابي.
بالضبط هو يقول إنكما كنتما شريكين في الكتاب، وأنه أنجز ما يخصّه، ولم تنجز أنت ما يخصّك. فالمسألة - حسب كلامه - ليس تأخرا في دفعه إلى المطبعة، وإنما هي عدم الإنجاز من قبلك.
- هذا ادعاؤه وليس كلامه!
إلى الآن لم أعرف بالضبط ما دور الدكتور عبد العزيز في الكتاب. هل أنت الذي أعطيته المادة الخام وقام بتبويبها وهيكلتها مع صياغتها أم لا؟ وأريد أن أعرف ما الذي سرقه من الكتاب على وجه التحديد؟
- أنا الذي رتبت الوثائق وعملت الكتاب. والفكرة فكرتي.
وهل أنت الذي قمت بعملية الصياغة؟
- في عملية الصياغة - الحقيقة - أنني تعاونت مع أشخاص آخرين، وليس معه وحده. بالضبط هناك شخص أو شخصان.
مَن هما؟
- الدكتور بهاء عبد الرحمن وهو يعمل في دار الرفاعي. فلقد قام بمساعدتي في عملية الصياغة.
ومَن الآخر؟
- الحقيقة أنه هو أكثر من ساعدني. أما الدكتور عبد العزيز حين أدرك أنه ليس لديه جديد يمكن أن يضيفه إلى البحث أحب أن يشاركني بالكتاب من دون تعب فرفضت هذا الطلب. لأنه ليس أكثر من متعاون معي في جلب مواد الكتاب من مصادر داخلية وخارجية.
لنفترض أن اللجنة التي تنظر في الموضوع توصلت إلى أن أسلوب الرجل وطريقته في المنهج في هذا الكتاب، هما نفسهما في كتبه السابقة، وحكمت له، فبماذا ترد؟
- الذي لديّ هو الوثائق وورقة المخالصة والشهود. ولأقول لك شيئاً وهو حتى لو أننا افترضنا أن الكتاب من صياغته، فالموضوع موضوعي، والمواد موادي، والفكرة فكرتي، أما هو فأجير لديّ فقط.
هل كان اتفاقكما أن يؤلف لك من الباطن؟
- لم يكن هذا هو الاتفاق، فباستطاعتي أن آتي بشخص آخر ويكمل عملية الصياغة.
في حال نجاح دعواك على الدكتور عبد الغني إبراهيم هل ستبقي الكتاب على حالته وتضع عليه اسمك أم ستضيف إليه وتزيد فيه؟
- سأشرح في المقدمة جميع الملابسات التي اكتنفت تأليف الكتاب.
والمتن؟
- قد أضيف وقد أعدل. هذا شيء آخر يأتي في أوانه.
ورد في السطر الأخير في مقدمة نسختك من الكتاب أنك «كلفت أحد الباحثين السودانيين مما كان لهم عناية بتاريخ الجزيرة العربية بإحضار الوثائق وإعداد بعض المعلومات عن العقيلات، مقابل أجر أخذه كاملاً غير منقوص»، وهي إشارة تعبر عن عدم ود وخلاف كبير، ويمكن للدكتور عبد العزيز أن يدعي أنها أضيفت بعد صدور الكتاب عن دار الساقي، فما تفسيرك لها؟
- لم يكن الظرف يتيح أن أتحدث عن تفاصيل الخلاف. أما الآن فالوضع مختلف، فأنا مضطر أن أسمي الأشياء بأسمائها، وأن أفصل في ملابسات الكتاب في المقدمة وفي الخاتمة.
ربما إن تأخر يعقوب الرشيد في دفع نسخة الكتاب التي بين يديه إلى المطبعة، والتي كتبها من ألفها إلى يائها الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم وسلمها إليه، سببه الأساسي أن النسخة لم تتضمن نظريته حول العقيلات وتاريخهم بما تنطوي عليه من عجائب وغرائب ومبالغات، وكان يبحث عن باحث محترف يبثها في النسخة على نحو متوائم ومنسق مع إعادة صياغة ما كتبه الدكتور عبد العزيز بأكمله، ليختفي أثره - على الأقل أسلوباً - من النسخة.
كنت أعتقد حين طرحت هذه القضية في أواخر عام 1992 في ثلاث حلقات في جريدة «الشرق الأوسط» أن الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم ألّف الكتاب ليعقوب الرشيد، نظير مبلغ مالي قدره عشرون ألف ريال، لذا عنونتها بـ«مؤلفون من الباطن»، لكن بعد أن أتمّه صغر في عينه المبلغ الذي تسلّمه من يعقوب الرشيد، فطلب من يعقوب أن يضع اسمه معه على الكتاب، فرفض طلبه مستنداً إلى الاتفاق الأصلي بينهما.
بعد إحيائي هذه القضية القديمة مجدداً، أستبعد أن يكون ما كنت أعتقده صحيحاً. أستبعده لثلاثة أشياء أولها، أن يعقوب لم يتعرف إلى الدكتور عبد العزيز مباشرة، فمن رشحه ليعقوب هو زميله في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور يحيى ساعاتي الذي هو صديق ليعقوب. رشحه ليعاونه - كما قال الدكتور يحيى - في جمع المعلومات وما قد يحتاج إليه في البحث من أمور منهجية. وإن يعلم الدكتور يحيى ساعاتي بأن الاتفاق هو كما كنت أعتقد سابقاً، فهو أمر محرج جداً لزميله الجامعي، الدكتور عبد العزيز. ثانيها لو أن الدكتور عبد العزيز كان مؤلفاً من الباطن ليعقوب، لكان كتب الكتاب بجهد أقل مما بذل فيه، ولكان أعمل نظرية يعقوب حول العقيلات في الكتاب، وكتب تاريخهم وفق ما يتصور ويرى يعقوب، لأن الكتاب ليس باسمه، وإنما هو عمل على الكتاب واشتغل عليه على أنه يحمل اسمه. واسمه عرف بأعمال فيها جهد وكد وإتقان وجودة. ثالثها، أن الدكتور عبد العزيز - بحسب كلام شهود قريبين منه بحكم الزمالة وبحكم تلمذتهم عليه - كان قد أخبرهم أنه يشتغل على عمل مشترك بينه وبين يعقوب الرشيد عن تاريخ العقيلات، فلو كان مؤلفاً له من الباطن لما كان أخبرهم بذلك.
وفي مجال الاستدراك ثمة خطأ وقع في التحقيق، لكني لم أكن صاحبه، وهو أنه حين الانتقال من شهادة الباحثين إلى شهادة أحد العقيلات، وهو الشيخ عمر البراك، وردت هذه الجملة: «وبعد الباحثين تأتي شهادات رجال القبيلة ومنهم...». وهي جملة لم أكتبها فأنا أعرف أن العقيلات ليسوا اسماً لقبيلة ولا هم تجمع قبلي، وإنما كانت اجتهاداً من المحرر الثقافي في المكتب الرئيسي للجريدة، ليصل بين فقرات عن شهادة الباحثين والفقرة التي أدلى الشيخ عمر البراك فيها بشهادته. والذين عملوا ويعملون في الصحافة يعرفون أن من حق الديسك الرئيسي في المطبوعة في أي صفحة أن يجري إضافات أو تعديلات شكلية أو مضمونية في المادة الصحافية. مرد هذا الخطأ أنهم في العراق وفي سوريا يخلطون ما بين عشائر عقيل - وينطقونها ويكتبونها عكيلي - وما بين العقيلات ذلك التجمع التجاري النجدي الممتد عبر قرون. ولقد أفاض الدكتور عبد العزيز في هذا الأمر، وفسر أصل الالتباس الواقع بين هذين الاسمين في موضعين من الكتاب هما: من هم العقيلات؟ وأصل التسمية.
على ضوء كتابتي عن القضية قديماً، وعلى ضوء إعادة النظر فيها مجدداً، فإن قصة كتاب «نجديون وراء الحدود»، بدأ بفكرة طموح لدى يعقوب الرشيد، وهو أن يكتب تاريخ العقيلات الشامل، لكنه كان يعرف أنه غير قادر على تنفيذ مثل هذا العمل فوقع اختياره على من بين من رشحهم له صديقه الدكتور يحيى ساعاتي على الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، فهو إضافة إلى أنه معني بتاريخ الجزيرة العربية - وهذا مما سيسهل البحث عليه ومما سيثريه البحث أيضاً - لديه خبرة في الوثائق البريطانية، فزملاؤه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حدثوني أنه في إجازاته السنوية لا يذهب إلى الخرطوم، بل يذهب إلى لندن للعكوف على قراءة الوثائق البريطانية هناك.
طرح عليه فكرة الكتاب، والتمويل المالي لتنفيذه، مع مكافأة مالية إضافية قدرها عشرون ألف ريال، على أن يكون شريكاً له في الكتاب، بحيث يوضع اسمه إلى جوار اسمه بوصفهما مؤلفي الكتاب. فوافق الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم على هذا. لأن موضوع الكتاب جزء من مدار عنايته البحثية والعلمية، ولأن يعقوب سيتكفل بالنفقات المالية التي يقتضيها البحث، مثل شراء تذاكر السفر ونفقات الإقامة والتنقل، وفوق ذلك مبلغ مالي.
أي أن الدكتور كان شريكاً بعمله ونهجه في البحث وبعمله الشاق فيه. ويعقوب كان شريكاً بماله وبالفكرة التي طرحها على الأول وبتكليفه في تنفيذها. وللحديث بقية.