هل يجوز افتراض أن أهل بعض ضحايا جرائم القتل، عموماً، وجرائم إزهاق أرواح أبرياء، إرهاباً، أفضل حظاً؟ على السطح، قد يبدو التساؤل غريباً. إنما بقليل من التأمل، يمكن القول إن كل عائلة فُجعت بقتل أحد أفرادها سوف تحس بارتياح إذ ترى المتهم يمثل أمام القضاء، ويواجه السؤال: لماذا؟ الواقع أن أي قاتل سوف يحار بحثاً عن إجابة تقنع أي عاقل. ولأن منطق العدالة يفرض تكليف محامٍ الدفاعَ عن أي متهم، يبذل البارعون في القوانين الجنائية أقصى جهدهم، محاولين تخفيف العقوبة. رُبّ متسائلٍ: لِم يشكل القبض على المتهم، وتلقيه محاكمة نزيهة تنتهي إلى القصاص منه وفق قانون عادل، راحة لعائلة الضحية؟ لأنها، وفق نواميس العلائق الإنسانية بين الناس، لن تنزع نحو الانتقام، على رغم أحزانها، بأن ترى المتهم يتعرض لما أوقع هو بها من ظلم. أليس من العدل أن تنأى عن ظلم حتى مَن ظلمك؟ بلى.
جانب من هذه الصورة بدا واضحاً مساء الجمعة الماضي، فيما كنت أتابع نبأ إصدار الحكم على الإرهابي دارِن أوزبورن، بعد إدانته بجريمة جامع فينسبيري بارك (19/ 6/ 2017)، شمال لندن، التي قَتل خلالها، عمداً، مكرم علي، وأصاب عدداً من المصلين بجروح خطرة قد تستمر آثارها مدى الحياة. غالبت روزينا، ابنة الضحية، دموعها فيما كانت تقرأ بياناً نيابة عن عائلتها تضمن من الكلمات ما يعكس مشاعر كل عائلات ضحايا الإرهاب: «كان والدنا بريئاً، مثله مثل جميع ضحايا الإرهاب، وكان قتله بهذه الطريقة الدموية بشعاً»، «كان بسيطاً ومسالماً»، «لقد قتله مخلوق ضيق الأفق بلا قلب». قبل نطق الحكم بالسجن المؤبد، وجهت القاضية (Justice Cheema - Grubb) للقاتل كلاماً يصدق في كل إرهابي، أياً كان فكر إرهابه وساحته: «لقد سمحت لفكر مسمم يمليه من يصفون أنفسهم بالقادة أن يسيطر عليك».
ما الفكر، الذي أشارت إليه القاضية؟ أقر دارِن أوزبورن أنه تأثر بما سمع وقرأ من أفكار غلاة اليمين البريطاني المتطرف التي تزعم أن مسلمي بريطانيا باتوا يشكلون «أمة داخل أمة». ادعاء باطل، بلا جدال، خصوصاً عندما يُراد به التعميم. مع ذلك، يظل صحيحاً القول إن هناك بالفعل بين نشطاء التطرف المنسوب للإسلام، زوراً، من يسعى لحشر مسلمي هذا البلد داخل «غيتو» منعزل. لقد وصل اجتراء تطرف نفر من أولئك النشطاء المهاجرين حد إطلاق ما شاء لهم من صفات إسلامية على أحياء يقطنونها في أطراف لندن، وأمعن بعضهم أكثر فزعموا أن لهم الحق في تطبيق حدود الشريعة حتى على أهل البلد الأصليين، إذا كانوا يقطنون الأحياء ذاتها. أي باطل هذا الذي يُراد بدين الإسلام، أولاً، وبالمسلمين كلهم أجمعين؟
من هنا، مسؤولية العقلاء ألا يحدث أي تراخٍ في مطاردة فكر التطرف والتصدي لكل مروّج له، خصوصاً عندما يربط المروّجون للإرهاب مزاعمهم بمنهج الدين الحنيف. حقاً، يدرك كل ذي بصيرة أن التاريخ سوف يوثق ما يجري منذ نهايات القرن الميلادي الماضي من عنف وقتل وترويع وتشريد باسم المسلمين، مثلما وثق من قبل ما جرى من فظائع على أيدي خوارج أوائل القرن الهجري الأول. في سياق التصدي المستنير لمزاعم فكر التطرف في هذا الزمان، يُمكن ضرب المثل في تصرف محمد محمود، إمام جامع فينسبيري بارك، حيث ارتكب دارِن أوزبورن جريمته، عندما سارع إلى الحيلولة دون غضب المصلين وإيقاع أي أذى بالمعتدي. تصرف استحق في حينه، وخلال المحاكمة، إشادة كل الأطراف المعنية، بمن فيهم عائلات الضحايا، الذين، شأنهم شأن كل عائلة يخطف الإرهاب أحد أحبائها، يظل من المريح لهم، ولو قليلاً، رؤية القاتل مُداناً أمام قضاء عادل. دعونا نأمل أن يجري تعميم مثال الإمام الشاب محمد محمود، وأن يفيد منه كل شاب مسلم يتطلع لأن يؤدي واجباً في هذا المجال تحديداً.
8:2 دقيقه
TT
أهمية محاكمة الإرهابي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة