خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

ذكر أم أنثى؟

الشغل الشاغل لكل امرأة حامل هو أن تحزر جنس ما في بطنها من مخلوق. وبين الحين والآخر تنشغل الصحافة في كل مكان بهذا الموضوع وآخر المستجدات التي طرأت بشأنه. طوال تاريخ البشرية، شغل الأطباء والحكماء وكل من هب ودب من المشعوذين في هذا الأمر فيما ينفع أو يضر الجنين ومصيره ومستقبله. وهو موضوع يتغير من آن لآن. والقوم منشغلون في هذه الأيام بإمكانيات التأثير على جنس الجنين.
رأيت مقالة لسيدة محترمة قبل مدة بعنوان «ذكر أو أنثى حسب الطلب»! علماً بأنني شخصياً أمتعض من هذا التدخل العلمي في موضوع حساس كهذا. فمن أجمل عناصر الحياة الزوجية الغموض الذي يكتنف الولادة بكل مفاجآتها. وفي رأيي لا شيء يضاهي ذلك غير الغموض الذي يتيه فيه العريس في يوم عرسه. هل ستكون عروسه، شقراء أم سمراء، بدينة أم نحيفة؟ وهو أيضاً الغموض نفسه الذي يشعر به الشعب بعد انقلاب عسكري. ماذا سيكون ذوق الحاكم الجديد؟ هل سيشنق كل من لا يصفق له، أم سيكتفي بشنق كل من لا يهتف باسمه؟
وفضلاً عن ذلك، هناك مشكلة خطيرة تتعلق بهذا النوع من الخيار. خذوا مثلاً البلدان العربية إذا مارس الناس مثل هذا الخيار. فلن تولد أي بنت لأي أحد. أو أي ذكر لأسرة فيها عشرة ذكور. ولن يمضي غير جيل واحد حتى تصبح البلاد كلها من الذكور ويشطب حقل الإناث من سجلات النفوس.
لا أدري ما هو الحل الذي ستستطيع أن تتفتق عنه عبقرية هذا البحث العلمي؟ الحل الوحيد الذي أراه ماثلاً أمامي هو أن يجري تزويج الشعوب المذكرة بالشعوب المؤنثة. فمثلاً تعيش مملكة نيبال على تصدير رجالها للعمل في الجيش البريطاني. وهذا الميل الاقتصادي إلى جانب الرجولة فيها سيؤدي بفعل عملية الاختيار إلى تحويل نيبال إلى أمة من الذكور. وعندئذ يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بمهمة الخاطبة، فيخطب أمة الفلبين مثلاً للزواج بأمة نيبال، مقابل مقدم صداق قدره مليون طن من المانجو ومؤخر قدره ثلاثة ملايين طن من الموز.
ولما كانت الشعوب المتأخرة تفضل السلاح على الطعام لشعبها، فقد يتم الزواج بالدبابات، فيعقد الأمين العام للأمم المتحدة زواج البرازيل بجزر هاواي بمقدم صداق قدره خمسمائة دبابة ومؤخر قدره ألف دبابة. وتقوم كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة واليونيسكو بتقديم التباريك للطرفين مع الهدايا من دبابات ومدرعات وصواريخ وكل ما يتلاءم مع مناسبات الأفراح في العالم الثالث.