خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

مشكلة الجرذان ومشكلة القطط

كما ذكرت في مقالتي السالفة، أصبح موضوع حماية المراسلات والرزم البريدية من قضم الجرذان في بريطانيا الشغل الشاغل للقطط وأسيادها. عاد ناظر القطط في ميناء ساوثمبتون فكتب تقريراً مسهباً إلى مدير البريد قال فيه إن العلاوة المخصصة لإطعام القطط غير كافية لإعاشة ثلاث قطط باللحوم والحليب. وأصبحت السيدة تايد، زوجة حارس البناية تنفق من نقودها لشراء الحليب اللازم. وبناء على هذه الظروف، ينبغي زيادة العلاوة بمبلغ ستة بنسات في الأسبوع.
وجر موضوع الحليب إلى مراسلات طويلة. ففي الرسالة الموجهة من المدير العام إلى ناظر البريد يتساءل المدير عن تفاصيل الكلفة فيقول: يجب إعلامنا بكلفة إدامة القطط بصورة محددة مع تنويرنا بكيفية حساب ذلك. وأجاب الناظر بأن كلفة الحليب هي ستة بنسات وكلفة اللحم هي 15 بنساً في الأسبوع. وتختلف الكميات المجهزة من يوم إلى يوم حسب شهية القطط، ولكن الناظر سيكتفي بمجموع 18 بنساً.
وأجاب المدير العام برسالة قال فيها: «أوصي بتخصيص 12 بنساً لإعاشة القطط على شرط أن نحاول إغراء القطط بشرب الحليب مخلوطاً بالماء.
أو بعبارة أخرى كان مدير البريد البريطاني يحث موظفه على غش الحليب. بيد أنه إذا كان الحليب المغشوش ينطلي على البشر فإنه لم يمر على القطط التي اكتشفت حقيقته فوراً ورفضت شربه! هكذا قال ناظر القطط في جوابه على المدير العام: «نحن نسقي القطط بحليب غير مخلوط بالماء لأن القطط معتادة على الحليب الخالص، فسرعان ما اكتشفت الحليب المغشوش وتركته».
هذا منتهى الدلع والدلال من قطط البريد البريطانية! أولادنا يشربون الحليب المغشوش المخلوط بالماء والبسس ترفضه وتعافه. وهكذا فإن جناب المدير العام لم يكن من عشاق القطط كبقية الشعب الإنجليزي وكان ينظر إلى حقوقها الشرعية باستخفاف، بل وبشيء من اللؤم. فبعد أن اقترح غش الحليب المخصص لشرب القطط عاد في السنة التالية، 1901 إلى اقتراح لا يقل مهانة لمعشر البسس. كتب قائلاً: هل من الضروري حقاً تخصيص هذه المبالغ لإعاشتها؟ أفلا يمكن تغذيتها بفضلات المطعم والمطبخ؟
منتهى اللؤم والإهانة. لو كنت أنا المأمور المتلقي للرسالة لأجبت عليها بالقول: لا يا سيدي المدير. جرب أن تعيش أنت على فضلات المطعم وتوفر للدائرة مخصصات إعاشتك!
ولكن أحداً لم يسأله هذا السؤال فتمادى في غيه وكتب بعد بضعة أسابيع: إنني ألاحظ أنكم تحتفظون في دائرتكم بقطتين بكلفة 12 بنساً في الأسبوع لكل قطة. ونظراً لأننا ندفع للسيدة تايد، زوجة الحارس، أجوراً لقاء مكافحة الجرذان، أفلا يعطينا ذلك حق إلغاء خدمات القطط والاعتماد على السيدة المذكورة؟
وقد استمرت مشكلة دائرة البريد مع القطط إلى سنوات أخرى حتى ظهرت مواد جيدة في مكافحة الجرذان والقضاء عليها.