فرديناندو جوليانو
TT

«دافوس» يرحب بقرارات ترمب الاقتصادية

هل تجاوزت الانتقادات للسياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي دونالد ترمب حدودها المعقولة؟ إننا نتهامس حول ذلك في هدوء، ولكن بعد مرور 12 شهراً من بداية تولي ترمب الرئاسة، يبدو أن كثيرا من خبراء الاقتصاد وقادة المال والأعمال على استعداد لمنح الرئيس ترمب وإصلاحاته الضريبية فرصة جديدة.
قد يتعلق الأمر تماماً بارتفاع أسواق الأسهم إلى أعلى معدلاتها، أو ربما بتصريحات كبرى الشركات، مثل وول مارت وآبل، بأنها مستعدة للاستثمار في الاقتصاد الأميركي وزيادة أجور العمالة لديها. ومع ذلك، لا تزال المخاوف المريعة التي صاحبت وصول ترمب إلى أعتاب البيت الأبيض أبعد ما تكون عن التلاشي والانزواء.
ويكمن الخطر في أن التنقيح والمراجعة المبكرة للغاية قد تتجاوز حدودها المعقولة؛ إذ إن الاقتصاد الأميركي يعتمد على رياح الانتعاش العالمية في تحركاته. ولقد شجعت الإصلاحات الضريبية وبشكل واضح الحديث عن الاستثمار، وارتفاع النمو، ولكنه من المبكر تماماً الحديث عن تحديد الآثار والنتائج. ومع ذلك فإن المخاطر المحدقة واضحة للغاية؛ إذ تعزز الولايات المتحدة من الطلب في وقت يقترب فيه التعافي من النضج المطلوب. وتكمن المخاطرة في أن مثل هذا الاندفاع قد يسفر عن زيادة غير محسوبة في العجز، والدين العام، والتضخم، بينما يكون تأثيره على النمو محدوداً للغاية.
كان التفاؤل المتزايد بشأن الاقتصاد الأميركي واضحاً للغاية ضمن آخر مجموعة من التوقعات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، التي قدمت في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الاثنين الماضي. ولقد راجع الصندوق توقعاته بشأن النمو بالنسبة للولايات المتحدة، وقال إنه بحلول عام 2020 سوف يبلغ الدخل القومي للبلاد 1.2 نقطة مئوية بأعلى مما كان متوقعاً في ظل غياب الخطة الضريبية. وبطبيعة الحال، سوف تكون هناك تكاليف مستحقة على ذلك في أوقات لاحقة، مع تباطؤ النمو لعدد من السنوات ابتداء من عام 2022 فصاعدا. وليس صندوق النقد الدولي هو الجهة الوحيدة التي تستطلع آفاق المستقبل المشرق، إذ خلص مسح مؤسسة «برايس ووتر هاوس كوبرز» للمديرين التنفيذيين لعام 2018 إلى أعلى وثبة محققة على مسار التفاؤل، مع زيادة كبيرة في مستويات التفاؤل في اتجاه أميركا الشمالية.
ويبدو أن النخب العالمية في «دافوس» تتمتع باتساع للأفق حول الرئيس الأميركي بأكثر مما كان عليه الأمر قبل عام مضى. وبطبيعة الحال، لا تحظى نزعات الرئيس ترمب الحمائية بتأييد كبير بين الحشد النخبوي الذي لا يزال ملتزماً بصورة راسخة بالتجارة الحرة. ولكن على مستوى المناقشات الرفيعة المستوى صبيحة الثلاثاء التي حملت شعار «الأسواق العالمية في عالم متصدع»، خلص كثير من المديرين التنفيذيين إلى صعوبة بالغة في إخفاء حماسهم الظاهر بشأن التغيرات الضريبية الأميركية الأخيرة.
قال ستيفن شوارتزمان، الرئيس التنفيذي لشركة «بلاكستون»، الذي ترأس المجلس الاستراتيجي والسياسي للرئيس الأميركي قبل حل المجلس الصيف الماضي، إنه سوف يكون هناك كثير من التدفقات المالية إلى الاقتصاد الأميركي، وهناك شركات من جميع أنحاء العالم تتطلع إلى الولايات المتحدة وتقول إنها المكان المناسب للاستثمار الآن. وكانت أدينا فريدمان، المديرة التنفيذية لشركة «ناسداك»، من المؤيدين لذلك، إذ قالت إن التخفيضات الضريبية قد تنشئ حلقة جديدة من الاستثمارات الجيدة، والعمالة، والاستعداد الهائل لتدريب العمال.
وبطبيعة الحال، كان هناك بعض ممن أعربوا عن تحفظهم بشأن استدامة التدابير الضريبية الأميركية، إذ أعرب فرانك أبيل، الرئيس التنفيذي لمجموعة «دويتشه بوست دي إتش إل»، عن قلقه الألماني التقليدي حيال وضعية المالية العامة، وقال: «إذا أسفر الإصلاح الضريبي عن ارتفاع كبير في عجز الميزانية، فسوف يكون جيداً خلال 12 شهراً فقط، ثم سوف تكون هناك تكاليف لا بد من تكبدها». وأعرب آخرون عن قلق أدنى من ذلك، فقد أشار تيدجان ثيام، الرئيس التنفيذي لبنك «كريدي سويس»، إلى أن المستثمرين الأجانب قد يحافظون على استعدادهم لتمويل العجز الأميركي، وقال إن «الطريقة التي تفكرون بها حول الاقتصاد تختلف تماماً عن الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد في الولايات المتحدة».
ويبدو حماس بعض قادة الأعمال مدعاة للإقناع حتى تبدأ التفكير في مشكلة أساسية واحدة. حتى مع افتراض أن التغييرات الضريبية سوف تنساب تدريجياً صوب الاقتصاد الحقيقي بفضل الاستثمارات الكبيرة والنمو في الأجور (وهو الأمر غير المؤكد تماماً)، فإن توقيت التحفيز المالي يبدو مثيراً للحرج. فلقد تعافى الاقتصاد الأميركي حتى الآن لمدة تبلغ مائة شهر، في حين أن معدل البطالة قد انخفض بواقع 4 نقاط مئوية. وهذه ليست من الأوقات المناسبة لتقديم التحفيز المالي، وإضافة أعباء جديدة إلى العجز على أمل أن النمو الاقتصادي سوف يكون أسرع.
وخلال كلمته إلى منتدى دافوس، قال بريان موينيهان الرئيس التنفيذي لبنك «أوف أميركا»، مستعرضاً بعض هذه المشكلات، إن هناك مخاطر تتمثل في أن الشركات قد تجد نقصاً في المهارات أثناء محاولتها تعيين المزيد من الموظفين والعمال. ووافق رئيس مجموعة «دويتشه بوست» على ذلك، إذ قال: «سوف تكون الإصلاحات الضريبية جيدة على المدى القصير فقط. ولكنها لا تصنع شيئا في إصلاح المشكلة الأساسية»، التي تتعلق بتعزيز الإنتاجية من خلال التدريب والإنفاق على مشروعات البنية التحتية في البلاد. ويستلزم التعامل مع هذه الاختناقات في جانب العرض المزيد من التخفيضات الضريبية في المستقبل.
ومع وصوله إلى سويسرا، سوف يجد الرئيس ترمب بكل تأكيد آذاناً منصتة تستمع إليه بأكثر مما كان يتوقع قبل 12 شهراً من الآن. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت الآثار الحميدة لقراراته الاقتصادية سوف تستمر طويلاً، أو ربما هي تذوب تماماً كمثل الجليد الذي يغطي أجواء دافوس.

- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»