محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

حقوق غير متساوية

عندما تطلّب فيلم «كل مال العالم» (All the Money in the World) تصوير مشاهد إضافية، تلقى الممثل مارك وولبرغ مليوناً و500 ألف دولار أجراً عن الأيام الإضافية. أما زميلته في البطولة ميشيل ويليامز التي صوّرت المشاهد الإضافية ذاتها معه، فاكتفى الإنتاج بمنحها 1000 دولار مصاريف نقدية عن كل الأيام التي قضتها في العمل الإضافي.
هكذا كشف تقرير صحيفة «USA Today» نشر قبل أيام، ما أثار امتعاضاً واسعاً في هوليوود. ليس بين من دفع، بل بين من قبض أو لم يقبض.
مارك وولبرغ بادر بتحويل المبلغ الزائد الذي تقاضاه إلى صندوق دعم لحقوق المرأة أودعه باسم زميلته ميشيل ويليامز، التي دهشت من هذا البذل السخي الذي جاء مشفوعاً بتصريح غاضب لوولبرغ قال فيه إنه إذا كنا نريد عالماً مبنياً على المساواة، فإن على كل منا أن يبدأ بنفسه.
هوليوود تعمل بمبادئ تجارية بحتة مفادها أن الممثل أو الممثلة الذي يأتي بأعلى رقم من الزبائن يتقاضى أعلى رقم من الأجور. لذلك بينما تتقاضى سكارلت جوهانسن ملايينها عن كل فيلم تنجزه تتقاضى معظم الممثلات الرئيسيات الأخريات، ما يساوي عشر المكافأة المقررة لها أو أقل من ذلك في بعض الأحيان.
لكن المسألة ليست متوقفة على الممثلات ولو أنهن الأكثر عرضة لتلقي المبلغ الأقل غالباً. قبل عقود قريبة كان أجر حاكم ولاية كاليفورنيا السابق الممثل أرنولد شوارتزنيغر عن كل فيلم يقوم بتمثيله 15 مليون دولار، ذلك لأنه لم تكن هوليوود تستطيع أن تتخيل إتمام فيلم من سلسلة «ترمناتور» أو منح شوارتزنيغر بطولة فيلم «أكشن» آخر من دونه. الآن أجره لا يزيد على مليون دولار إذا كان الفيلم من إنتاج الاستوديو، وأقل من ذلك إذا كان من إنتاج شركة صغيرة.
في الظاهر يبدو أن ذلك تطبيق لقانون عملي طبيعي. كنجم سينمائي تستطيع أن تطال نجوم السماء، كممثل فقط قد لا تستطيع يدك أن تطال سقف البيت الذي تعيش فيه. وكم سمعنا حكايات عن اكتشاف ممثلين كان لهم باع طويل ونجاح في الماضي، وأصبحوا الآن يتكلون على من يتذكرهم في مسلسل أو فيلم مقابل ما يكفي من وجبات طعام.
أحياناً ما تكون هناك ظروف قاهرة. كان هناك ممثل كوميدي لبناني راحل توقف عن العمل في الثمانينات، خلال الحرب الأهلية، والتزم منزله لفترة طويلة قبل أن يقرر الهجرة إلى مصر. سألته حين التقيته في القاهرة عن أحواله فقال إنه يقبض 200 جنيه عن الدور. يدفع منها 100 جنيه ثمن قمصان و100 جنيه أجور تاكسيات لتنقله إلى أماكن التصوير.
لكن في الأحوال الخالية من تلك الظروف المرتبطة بالحروب ومشكلات اللجوء من بلد لآخر، فإن الواقع أن سعر الممثل يحدده الجمهور وليس نظاماً عادلاً نابعاً من أي قانون آخر. رغم ذلك، فإن ما حدث مع الممثلة ميشيل ويليامز، وهي من أفضل ممثلات هذا العصر، مرآة لمشكلة متفاقمة ناتجة عن ذلك القانون غير المكتوب. هي في البطولة لجانب وولبرغ لكنها تتقاضى أقل منه ليس على نحو محدود بل بفارق شاسع.
لقد كان لا بد من فضيحة التحرش لكي تنتفض هوليوود غاضبة على النحو الذي ما زالت عليه. والآن كان لا بد من هذه الفضيحة المالية لكي تعيد شركات الإنتاج حساباتها وتبدأ بمعاملة أكثر عدلاً حيال الممثلات وترتفع بأجورهن إلى ما يوازي أجور زملائهن الرجال.
على أن المسألة أكبر من ذلك وهناك حقول أخرى كثيرة يتلقى فيها الموظفون رواتب غير متساوية أو لا تتناسب مع قدراتهم وخبراتهم، وكثير منهم رجال.