حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

مصر: الخطوة التالية!

الصورة تساوي ألف كلمة، هكذا يقول المثل القديم المشهور، و«كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة» كما تقول المقولة المشهورة للنفري. والمتابع لمراسم التنصيب بالرئاسة المصرية التي احتفلت بتسلم الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي المنصب من الرئيس المؤقت عدلي منصور، سيرى أن هناك شيئا جديدا في المشهد الحكومي المصري.. هذا «الشيء» مبعثه ثقة في النفس ورغبة جامحة وجامعة لاستعادة موقع مصر الريادي والحضاري الذي تآكل مع الوقت.
كان هناك حرص شديد على «الإبهار» ومفاجأة كل من يتابع الحدث بتفاصيله، والتركيز على البعد المؤسساتي للدولة المصرية القديمة، والبعد عن التركيز على الأشخاص بعينهم.. كان هناك تركيز واضح على مؤسسات الدولة القديمة، مثل المحكمة الدستورية وجمعيتها العمومية وقضاتها المخضرمين وإبراز دورهم، وكذلك المراسم الجمهورية والحرس الجمهوري ورجالات الدولة والتكريم المستحق، ورموز البلاد كلها كانت لأجل إعادة إبراز دور مصر السياسي والثقافي، والثقل الحضاري المميز لها.
مصر عادت لتدرك بشكل عملي أهمية القوى الناعمة التي لديها، وتعدها ميزة تنافسية لا يستهان بها في عالم صعب ومعقد جدا. هناك إحساس لكل من تابع أحداث يوم الاحتفال بتنصيب الرئيس السيسي، أن هناك جهدا لإبراز الوجه المدني لجمهورية مصر، وإبراز الإرث التاريخي لهذه الحضارة من قصور ومن تقاليد ومن عادات، وهي جميعها مبعث فخر واعتزاز للمصري، ولكن الأهم أنه جرى إحياؤها بعد أن فقدت لمدة غير بسيطة من الزمن.
التاريخ المصري مغرم بالإبهار وكل ما عليك عمله ليس سوى التمعن بالإرث المهول لقدماء المصريين من أهرامات وتماثيل ومدن، وحتى في العصر الحديث، هناك الإرث «العملاق» للشخصيات المصرية المهمة مثل أم كلثوم، وعبد الناصر، وطه حسين، وطلعت حرب، وغيرهم بطبيعة الحال.
كان لافتا في كلمة الرئيس السيسي تركيزه على العمل، وعلى الإنتاج، وعلى أهمية البعد العربي والأمن الخليجي بالنسبة للأولويات في السياسة المصرية. مصر تنفست الصعداء وخارطة الطريق التي جرى إطلاقها بعد ثورة الثلاثين من يونيو، وسارت بشكل في مجمله جيد جدا، هناك قبول متزايد عالميا لما حصل في مصر، وإدراك أن مؤيدي الحراك والنظام الجديد في مصر هم الأغلبية الساحقة من الشعب المصري، وبالتالي لا بد من «احترام» هذه الرغبة، و«القبول» بها، و«التعامل» معها بشكل حقيقي، والبعد عن التخوين والتشكيك.
مصر محملة بالتحديات والهموم والمشكلات والمصاعب، ولكن الإيمان «بالقدرة» على مواجهة ذلك هو أول تحدٍ. حدثني صديقي وهو يتابع المشاهد الاحتفالية، وقال في تعليق لطيف يصف المشهد: «مصر بتستحمى وتغتسل». وأضاف أن مصر لو واجهت وأدارت تحدياتها بنفس الدقة والمهارة التي أشرفت وأدارت بها حفل التنصيب ستكون بخير كبير. مصر تمرض ولكنها لا تموت، ومن المهم أن تقوم من أزمتها أقوى، فقوتها لصالح المنطقة ككل وليست لها وحدها.
وفي الختام قد يكون أهم سلاح يواجه به عبد الفتاح السيسي المستقبل الذي يستعد له هو دعاء الملايين له بالتوفيق، هو بحاجة ماسة له. مصر دولة مؤسسات وقد تكون المؤسسات طالها الوهن والضعف، ولكن من الممكن إصلاحها والبناء عليها، وهذه وحدها مسألة تستحق العمل لأجلها.