بن كاردين
* من النواب الديمقراطيين البارزين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي
TT

استعادة الهيبة الأميركية

على امتداد الجزء الأكبر من الأعوام الـ20 الماضية، عكف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شن هجمات لا هوادة فيها ضد مؤسسات ديمقراطية خارج بلاده، وكذلك ضد قيم عالمية ومبدأ حكم القانون. وقد اعتمد في هذه الهجمات على ترسانة من الأسلحة غير المتماثلة: هجمات سيبرانية، ونشر معلومات مضللة، ودعم مجموعات سياسية هامشية، واستغلال موارد الطاقة سلاحاً.
في الواقع، لجأ بوتين لمثل هذه الأساليب لأنه كان يتحرك من موقف ضعف؛ أمامه اقتصاد متداعٍ، والقليل من المؤيدين على الساحة العالمية. وفي الوقت الذي اتخذ فيه حلفاؤنا الأوروبيون خطوات نحو الدفاع عن أنفسهم بصورة أفضل ضد هذه الهجمات، نجد أن الولايات المتحدة لم تبذل مجهوداً يذكر لحماية مؤسساتها.
ورغم الجهود التي بذلتها بعض قيادات الأمن الوطني، وكذلك مسؤولون حكوميون مخلصون عبر أرجاء القطاع التنفيذي، فإن ثمة شخصاً واحداً يحول دون صياغة استجابة قوية على مستوى جميع الأجهزة الحكومية تحاسب روسيا على نشاطاتها المزعزعة للاستقرار: رئيس الولايات المتحدة. ولم يحدث مطلقاً من قبل أن تجاهل البيت الأبيض على هذا النحو تهديداً للأمن الوطني.
وإذا أخفقنا في الاستجابة بالسرعة التي يتطلبها هذا التهديد، فستزداد موسكو جرأة؛ للبناء على نجاحها في التدخل في انتخاباتنا الرئاسية عام 2016، ربما عبر تقويض انتخابات التجديد النصفي عام 2018 والانتخابات الرئاسية عام 2020.
تشكل هذه بعض النتائج التي خلص إليها تقرير من المقرر أن أنشره غداً الأربعاء. كانت الأبحاث المرتبطة بالتقرير قد بدأت في الشهور التي أعقبت انتخابات 2016، لأنه من الضروري أن يدرك الشعب الأميركي على نحو أفضل حجم ونطاق التهديد الصادر عن الحكومة الروسية بحق المؤسسات الديمقراطية، وأن يدعم الخطوات الضرورية لحماية منظومة الحكم لدينا ومجتمعنا. ويكشف التقرير أن التهديد الذي تمثله موسكو لأمتنا ومجتمعنا آخذ في التفاقم.
وعند إمعان النظر، نجد أن سجل تدخل الرئيس الروسي في أوروبا طويل، لكن بعض أكثر الأمثلة فداحة تتضمن:
- محاولة الانقلاب العسكري في مونتينيغرو، التي شهدت محاولة لاقتحام البرلمان وأسر وقتل رئيس الوزراء قبيل سعي البلاد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).
- الحملات الدعائية الروسية، خصوصاً عبر الإنترنت، التي جرى كشف النقاب عنها في خضم مناقشات عامة جرت قبيل استفتاءات كبرى مثل «بريكست» في بريطانيا، وحركة استقلال كاتالونيا في إسبانيا، وكذلك الانتخابات الوطنية في فرنسا وألمانيا. وثمة مؤشرات توحي بأن إيطاليا ربما تكون الهدف التالي.
- مقتل عدد من الشخصيات الروسية المعارضة ومنتقدي النظام الروسي عبر أوروبا.
- انتهاك القانون الدولي عبر غزو حدود جيران روسيا مثل جورجيا وأوكرانيا.
الواضح أن كثيراً من الدول الأوروبية أدركت الخطر الصادر عن الكرملين، واتخذت خطوات جادة نحو تعزيز قدرتها على الصمود في وجه عدوان بوتين. وقد عززت هذه الدول من دفاعاتها السيبرانية، وأطلقت جهوداً لتعزيز الوعي الإعلامي لدى مواطنيها، وتعقبت عصابات الجريمة المنظمة الروسية، وشرعت في تنويع مصادر واردات الطاقة لديها، وحشدت جهود قطاعات متنوعة من المجتمع في هذا التعزيز الدفاعي؛ حكومة وشركات ومجتمعاً مدنياً والإعلام والحقل الأكاديمي والطلاب.
بيد أن الأمر ذاته لا ينطبق على الولايات المتحدة. واللافت أنه حتى فيما وراء التدخل في الانتخابات، خلص التقرير إلى أمثلة على جهود مدعومة من قبل الكرملين للإضرار بالحياة اليومية للأميركيين والأمور التي يهتمون بها؛ مثل اللجوء للغش لحرمان الأميركيين من ميداليات أولمبية، وسرقة معلومات مالية من ملايين العملاء الأميركيين.
والآن، ماذا ينبغي أن نفعل؟
أولاً: يجب أن يقود الرئيس ترمب لتعبئة الحكومة والشعب الأميركي. ثانياً: يجب أن تشرع الولايات المتحدة في جهود لتعزيز قدرة مؤسساتها الداخلية على الصمود وكذلك المؤسسات الرسمية عبر أرجاء أوروبا. ثالثاً: ينبغي أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات تصاعدية ضد موسكو بوصفها رادعاً لها عن شن هجمات مستقبلية ضد مؤسسات ديمقراطية. رابعاً: ينبغي أن نتعاون مع الشركات المالكة لشبكات التواصل الاجتماعي ونحاسبها عن دورها في السماح للكرملين بتنفيذ حملات لنشر معلومات مضللة والعمل على تأجيج الانقسامات السياسية والاجتماعية.

* عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ماريلاند عن الحزب الديمقراطي
* خدمة «واشنطن بوست»