علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

من ألف «نجديون وراء الحدود»؟!

أمام ادعاءات يعقوب الرشيد قامت دار الساقي بالاتصال بالدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم الذي - كما أفاد أندره كسبار مدير الدار - نفى الموضوع تماماً، وقال إنه لا يمكن أن يقبل بأن يؤجر قلمه لأي أحد.
فرد يعقوب على ذلك في مكاتبة لدار الساقي قائلاً: «تعليقاً على ادعاء الدكتور عبد العزيز عبد الغني إبراهيم بنفي ما أوضحناه، نشير على سبيل التذكير إلى إقراره الذي وافيناكم بصورة عنه». ونضيف إلى ذلك اعترافه في حينه أمام شخصيات علمية معروفة في المملكة، ومنها الدكتور يحيى ساعاتي أمين مكتبة الملك فهد الوطنية، والأستاذ بقسم علوم المكتبات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.
وعلى غير ما يقول يعقوب إن فكرة كتاب «نجديون وراء الحدود - العقيلات» هي فكرته، وإنه هو الذي نبه الدكتور عبد العزيز إليها، وإنه قبل أن يفعل ذلك لم يكن لدى الدكتور عبد العزيز أي فكرة عنهم، يرجع «المتهم» الدكتور عبد العزيز الفضل الأول في مقدمة الكتاب في إثارة اهتمامه بعمل دراسة عن العقيلات إلى كتب الرحالة الأوروبيين. وقد شرح هذا الأمر قائلاً: «كنت في فترة سابقة أنقل إلى العربية بعض ما كتب هؤلاء الرحالة ولم أجد أياً منهم يغفل عن ذكر العقيلات. ومن ثم، فرض العقيلات أنفسهم علينا فرضاً واستحوذوا على تفكيرنا لفترة طويلة فأخذنا نستجلي كنههم ننقب عن جذورهم».
أي أنه قد عرف اسمهم من مطالعته في كتب الرحالة الأوروبيين الذين جابوا بلاد الشام والعراق ومصر ونجد، وهي الكتب التي كان يطالعها لاتصالها بموضوع تخصصه، وهو تاريخ الجزيرة العربية. وقد شدّ انتباهه أن اسمهم كان يتردد ذكره في تلك الكتب. أي أن فكرة كتابة تاريخ العقيلات من مبتدئه إلى نهايته ودراسة جميع الجوانب المتعلقة بتاريخهم، جاءته من مطالعة كتب الرحالة الأوروبيين.
وبخلاف ما قاله يعقوب عن طبيعة صلة الدكتور عبد العزيز بالكتاب وبه، بأنه كان مجرد باحث أجير يعاونه على إتمام الكتاب، قدم الدكتور عبد العزيز في مقدمة الكتاب رواية مختلفة، وهي أنه مع شروعه في البحث عمن هم العقيلات وتنقيبه في جذورهم وعوامل نشأتهم وأصل التسمية التي أطلقت عليهم، حدث - كما قال - «أن قابلنا أحد تجار الرياض من ذوي النسب بالعقيلات، وذكر لنا بأنه يملك كثيراً من الوثائق الخاصة بهم. واستقر الرأي على أن نتعاون في إصدار كتاب عن هؤلاء الجماعة، وأن نتقاسم ما عسى أن يحققه هذا العمل من خير الدارين، أو من ضير في هذه الدنيا. وحين فرغنا من الكتاب بصورته الراهنة أرسلناه إلى صاحبنا لكي يضيف إليه وتتم المشاركة المنشودة. ويبدو أن مشاغله الأخرى - أعانه الله - قد صدته عن هذا السبيل، فاتفقنا على فض الائتلاف على شروط ارتضاها كلانا. غير أن هذا التواصل الذي استمر زمناً بيننا قادني إلى مصدر ثري وأصيل تمثل في صدور بعض الأحياء من العقيلات - أمد الله في أعمارهم - وقلوب أبناء المتوفين منهم».
أحد تجار الرياض الذي في روايته، حدث أن قابله وهو في المرحلة التمهيدية أو الأولى من الإعداد لموضوع كتابه، والذي لم يسمه هو (يعقوب). وتحاشي ذكر اسمه - بالنسبة لقارئ الكتاب الذي لا يعرف أن وراء الأكمة ما وراءها - أمر سائغ، بل لبق، لأن ذلك الشريك في الكتاب لم ينجز الجزء الذي كان من المفترض أن ينجزه حسب اتفاقهما، وأنه زيادة في اللباقة التمس له العذر بأن مشاغله الأخرى قد حالت بينه وبين تنفيذ ما اتفقا عليه.
كانت الوثائق والمستندات التي سلمها يعقوب لي، والتي كان يدعي أنها تثبت أن كتاب «نجديون من وراء الحدود» من تأليفه هو وليس من تأليف الدكتور عبد العزيز، مكونة مما يلي: ورقة المخالصة بينه وبين الدكتور عبد العزيز التي نشرنا نصها في المقال السابق، ونسخة من الكتاب مطبوعة على الآلة الكاتبة، ونسخة من تعميمه كتبه مرسلة إلى المكتبات الوطنية ودور بيع الكتب، نشرنا أيضاً نصه في المقال السابق مكاتبته مع دار الساقي التي نشرت الكتاب.
ومكونة أيضاً من ادعاءات شفاهية، من ضمنها أن النسخة من الكتاب التي نشرها الدكتور عبد العزيز عن طريق دار الساقي متبعة فيها الطريقة الأميركية في استخدام الهوامش والإحالة إلى المصادر والمراجع، وأن هذه الطريقة هو يتبعها، وأن الدكتور عبد العزيز كان لا يعرف عنها شيئاً قبل أن يلتقيه!! وأن الدكتور عبد العزيز لم يكن يعرف شيئاً عن موضوع الكتاب قبل أن يلتقيه، ولم يكن يدخل ضمن اهتماماته أصلاً.
أول عمل قمت به هو مقارنة نسخة الكتاب الصادرة عن دار الساقي باسم الدكتور عبد العزيز بنسخة الكتاب المطبوعة على الآلة الكاتبة التي يدعي يعقوب أنها مسودة الكتاب التي كتبها هو وسرقها منه الدكتور عبد العزيز. فوجدت أن ما يسميه يعقوب مسودة متطابقة تماماً مع النسخة الصادرة عن دار الساقي، نصاً ومضموناً وملاحق وهوامش، مع زيادة واضحة وتفصيل مطول في الكتاب المطبوع في دار الساقي وبعض الزيادات اليسيرة في مطلع كل باب من أبواب الكتاب.
ثم قارنت كتاب الدكتور عبد العزيز المطبوع بدار الساقي بكتابين آخرين له صادرين عن الدار نفسها، هما: «أمراء وغزاة...»، و«صراع الأمراء...»، الأول صادر سنة 1988، والآخر صادر سنة 1990. فوجدت أن الأسلوب اللغوي في هذه الكتب الثلاثة هو أسلوب واحد، وأن طريقة البحث والمنهج المستخدم في قراءة التاريخ والنواحي الشكلية، كترتيب المادة وتبويبها وهيكلتها هو نمط واحد في تلك الكتب المذكورة. كذلك ما سماه يعقوب بالطريقة الأميركية في التعامل مع الهوامش والمصادر والمراجع كان مستخدماً في كتابي الدكتور عبد العزيز الآخرين. والطريقة الأميركية تعني وضع الهوامش والحواشي والمصادر والمراجع، إما عقب نهاية كل فصل وإما في آخر الكتاب.
أذكر أني أبديت وقتها عجبي حينما ذكر يعقوب هذا الأمر بوصفه دليلاً يبرهن على أن الكتاب من تأليفه هو. ولفتُ نظره إلى أن هذه الطريقة وقتها كانت مستخدمة في مؤلفات بعض الأكاديميين العرب ومستخدمة في بعض دور النشر العربية، وليست فتحاً خاصاً به في عالم التأليف العربي.
بعد عمل تلك المقارنتين رأيت أن نتيجتها ليست في صالح ادعاءات يعقوب، فطلبت منه أن يزودني بأصول الكتاب بخط يده، وأن يطلعني على مصادر ومراجع الكتاب التي في حوزته، ويرشدني إلى أماكنها في المكتبات العامة، بالنسبة للمصادر والمراجع التي هي ليست في حوزته. ويمدني بنماذج من أبحاثه وكتاباته، إن كانت له أبحاث وكتابات، للتعرف على أسلوبه وطريقته في الكتابة.
ورقة المخالصة بين الدكتور عبد العزيز ويعقوب التي قلت عنها في المقال السابق إنها أقوى وثيقة لدى الأخير، لم تكن وحدها كافية بأن تثبت أن يعقوب هو مؤلف الكتاب.
فنص هذه الورقة عبارة عن إقرار كتبه الدكتور عبد العزيز بخط يده يفيد بأنه تسلم مبلغاً وقدره عشرون ألف ريال مقابل أتعابه عن كتاب «العقيلات عبر القرون»، هكذا كان اسمه في مرحلة من مراحل إعداد الكتاب. وتضمن ذكر اسم الكتاب إقراراً بأن مؤلفه هو يعقوب. وفي خاتمة الإقرار تعهد كاتبه بأن يقدم كل ما يستجد من «معلومات» لمؤلف الكتاب (!) - ما أمكن ذلك - في الطبعات اللاحقة.
إذا تمعنا في ورقة المخالصة فإنه غير موضح فيها نوع «الأتعاب» أو كنهها أو طبيعتها أو فحواها. ولقد سألت يعقوب عما هي «أتعاب» الدكتور عبد العزيز في كتاب «العقيلات عبر القرون» بشكل دقيق وواضح، فقال لي: جمع مادة الكتاب التي يعرفها - يعقوب الرشيد - مظانها الشفهية والكتابية. وتصوير وثائق في السعودية وخارجها. السؤال الذي تبادر إلى ذهني وقتذاك: طالما أن جهد الدكتور عبد العزيز يقتصر على هذين الأمرين، فلماذا لم يُبين جهده في خطاب الإقرار على نحو واضح ومحدد؟! فالخطاب صيغ بطريقة ملبسة ومبهمة وحتى كلمة «معلومات» لا تخلو من الإلباس والإبهام.
وكون يعقوب في الإقرار الخطّي الذي كتبه الدكتور عبد العزيز هو المؤلف، فإنه على ضوء معطيات عدة توفرت لديّ، لم يجعله عندي هو المؤلف الحقيقي. إذ لم يُبين في الإقرار ماذا كان دوره في الكتاب وما جهده فيه. فالإقرار كان بالنسبة لي - بعد فراغي من التدقيق القرائي في نسخة يعقوب ونسخة عبد العزيز وفي كتابيه الآخرين - مجرد إقرار كتابي خطّه الدكتور عبد العزيز، يشير من طرف خفي إلى أنه كان هو مؤلف الكتاب الحقيقي الخفي، وأن يعقوب هو مؤلفه الصوري الظاهر. وللحديث بقية.