د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

إيران... غليان وخذلان

ثالوث الغلاء والفقر والبطالة هو المحرك الحقيقي لمظاهرات إيران السلمية، التي عبّرت عن سخط شعبي على سياسات الحكومة وفشلها وتجاهلها حلحلة أزمات الشأن الداخلي بسياسات خارجية عبثية، جعلت من إيران مصدر الشر في اليمن وسوريا ولبنان، حتى رفع المتظاهرون الساخطون شعارات «لا غزة، لا لبنان، حياتي في إيران»، وإن حاول النظام الإيراني شيطنتها بنعتهم «بالعملاء والمخربين والمأجورين» للخارج، فجاء رد السلطات ممزوجاً بالقمع والكبت وإخراس المتظاهرين السلميين المطالبين بالتغيير ووقف إهدار ثروة البلاد على إنتاج الإرهاب وتصديره، وترك البلاد غارقة في مستنقع المرض والجهل والبطالة التي تجاوزت 15 في المائة وتضخم مالي في ازدياد مضطرد في بلد يعتبر منتجاً رئيسياً للنفط.
النظام الإيراني يواجه غلياناً شعبياً محلياً لأسباب معيشية بالدرجة الأولى طالت لقمة العيش وسبله المختلفة، بسبب غلاء الأسعار والتضخم المالي وسياسات اقتصادية فاشلة، وصرف على التسلح العسكري وتطوير الصواريخ العابرة للحدود كالتي زودت بها ميليشيات الحوثي لضرب جارتها السعودية.
السلطات الإيرانية متمثلة في الرئيس روحاني عالجت الأزمة من الباب الأمني البوليسي مستخدمة شماعة «المندسين»، لتبرير القمع والقتل بدم بارد، ولم يخرج روحاني في معالجته للأزمة من عباءة الولي الفقيه وقمع «الباسيج»، حيث وصف المحتجين والمتظاهرين «بالمخربين والمشاغبين وعملاء الخارج»، في حين هم شباب سئم العيش في جلباب الخميني وكهنوته القابع على أنفاس الإيرانيين وطموحهم بدولة مدنية لا تُنصب فيها أعواد المشانق في الشوارع، وترفع جثث المعارضين على رافعات ميكانيكية، كان من المفترض أن تستخدم في البناء والتطوير لا حمل منصات مشانق للمعارضين.
المظاهرات التي شهدتها إيران في كبرى المدن الإيرانية ومنها مشهد، لا يمكن اختزالها وتشويهها بأنها جماعة من المندسين تحركهم قوى «الشيطان الأكبر» أميركا وفق رؤية النظام الإيراني، وإلا يعتبر هذا سخفاً واستهزاءً بالعقول وطعناً في أداء جهاز الأمن والباسيج الإيراني، وهو الذي يتجسس على كل شيء، وليس اختراقاً أمنياً مزعوماً.
مظاهرات إيران في ربيع 2018 التي سارع ترمب بالزعم بتأييدها عبر تغريدته بوصف النظام الإيراني بـ«الوحشي الفاسد» والزعم بتبنيها، والتي هي في الأصل امتداد لمظاهرات 2009 التي خذلتها أميركا والغرب وتُرك المتظاهرون الإيرانيون أمام آلة القمع والقتل الخمينية، بعد أن أبرم حينها صفقة تمديد لبقاء النظام الإيراني في حينها، مقابل التفاهمات حول البرنامج النووي الإيراني، التي سرعان ما اتضح خداع النظام الإيراني وتهربه من التزاماته، رغم أن البرنامج النووي الإيراني في الأصل هو برنامج ما زال بعيداً عن الاقتراب من تخصيب الحجم الحرج لإنتاج أي مشروع نووي ناضج يمكن التعويل عليه، ولكن الخداع الإيراني وتهويل برنامجه، جعله يستخدمه ورقة جلب مكاسب، ومنها الجلوس للتفاوض حيناً وتركه حيناً آخر، والتي كان منها ضمان فترة صلاحية وبقاء عقب مظاهرات عام 2009 التي كادت تسقط نظام الولي الفقيه، لولا جرعة الإنعاش التي قدمتها له الحكومة الأميركية بتجاهل الحراك الشعبي والصمت على جرائم القمع التي انتهت بإسكات الحراك.
«الإصلاحيون» خيبوا آمال الشارع فيهم، واتضح أنهم جزء من نظام إيراني ومجرد شخوص في جوقة النظام بنغمة وإيقاع مختلف، ولكن بقيادة أوركسترا المرشد الفقيه، فموقف «الإصلاحيين» كان الاصطفاف خلف سلطات النظام في ترديد لحن الحكومة لصفات «المندسين والعملاء» والمؤامرة من الخارج «لدولة المقاومة» من «الشيطان» الأكبر.
المظاهرات الشعبية الإيرانية الساخطة على الحكومة ستستمر ولو أُطفئت نارها، لأن مسبباتها لا تزال قائمة، ولأن وقودها الفقر والجوع والبطالة وغلاء المعيشة، مسببات قفز عليها حكومة الولي الفقيه بل قفز عليها خامنئي نفسه، ولم يعترف بأنها حق مشروع ومبرر، ولهذا قد تكون مقدمة تغيير إيراني سيهز أركان النظام الخميني المتلبس بعباءة الدين والمقاومة منذ عام 1979، حتى ولو حاول النظام ومن معه قمع المتظاهرين ضده بالسلاح، وحشد أنصاره والإغراق في التجييش والتحشيد لصالح حكومة الولي الفقيه للصراخ «أمرکا شطان» دون وعي أن المشكلة داخلية مطلقة وليست «مؤامرة» خارجية.