حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

حراك الجمهور الإيراني

تبخترت الخمينية وهي تعلن انتهاء معاركها في العراق وسوريا ولبنان واليمن بالاحتلال شبه الكامل، وأمنت من محاولة أي دولة إقليمية أو دولية لشن حرب عليها، فأتاها حراك الجماهير الإيرانية من حيث لم تحتسب، فبدا مشهد رموز الخمينية وهي تصارع شعب إيران المتطلع للحريات وفك خناق الملالي عن رقبته كزعماء عصابة مافيا كانوا يملأون مناطقهم التي يسيطرون عليها رعباً وهلعاً وبلطجة، فأصابهم ميكروب خطير أشغلهم في ذواتهم، وسبحان من يجعل سر قوته في أضعف مخلوقاته، ولقد كان خروج الجماهير الإيرانية فعلاً عنصر مفاجأة لنظام الخمينية (ما ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعتبِرُوا يَا أولِي الأَبْصَارِ).
إن المتأمل في مظاهرات الجماهير الإيرانية التي اندلعت ضد نظام الخمينية في العاصمة طهران وعدد من المدن الإيرانية، سيجد أنها في الحقيقة كفر بولاية الفقيه التي جلبت للشعب الإيراني معاناة اقتصادية مريرة، ضع نفسك محل مواطن إيراني عادي غير مؤدلج، وهم بلا ريب الأغلبية الكبيرة المسحوقة، ما الذي يستفيده في حياته المعيشية العادية من التدخلات والاحتلالات الإيرانية للعراق وسوريا ولبنان وأخيراً اليمن؟ وما الذي سيجنيه من الميزانيات المليارية التي أنفقتها الخمينية في الصراع لترسيخ نفوذها وتسويق آيديولوجيتها؟ لا شيء، بل على العكس، فالمظاهرات اعتراض قوي ضد هذا العبث بمقدرات البلاد ومصادر خيراتها في صراعات عدمية زجت بإيران ودول منطقة الشرق الأوسط في صراع استنزاف وأكلت أخضر خيرات إيران ويابسها، هذا ناهيك بالميزانيات الضخمة التي انتزعتها الخمينية من أفواه الشعب الإيراني الجائع لتصدير آيديولوجيتها إلى العالم السني عبر سفاراتها ومكاتبها الثقافية ودعاتها لتحويل تلك الشعوب إلى التشيع كجسر يؤدي إلى تصدير ثورتها إلى كل دول العالم الإسلامي، ثم السيطرة عليها كما فعلت في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
لقد كانت ثورة الشعب الإيراني ضد الشاه في عام 1979 ثورة حقيقية، المؤسف فيها أن الخمينية اختطفت الثورة مستغلة السخط العارم ضد الشاه وبذخه وفساده وديكتاتوريته، فظنت الجماهير الإيرانية أن الخمينية وإن تدثرت بالدين هي الحل المناسب، فأثبتت وقائع وتجربة الأربعين سنة الماضية أن «المستجير بعمرو عند كربته... كالمستجير من الرمضاء بالنار»، بل واقع الخمينية أسوأ بكثير من الشاه وحكمه، ففي زمن الشاه كان الفاسد واحداً مع عائلته الصغيرة، وكان الدور المنوط به هو مهمة «شرطي المنطقة» دون أن تمد نفوذها في دول المنطقة عدا احتلال الجزر الإماراتية، وأما في عهد الخمينية ففساد واستبداد وخراب يمارسه الملالي في العمق الإيراني وفي دول المنطقة، وهو أحد عوامل التذمر والغضب والسخط الذي أشعل فتيل المظاهرات.
ومن المهم أن نشير هنا إلى أن نظام الخمينية لأول مرة يواجه إرهاصات ثورة ضد ثورته، وليس صحيحاً مقارنة هذه المظاهرات في نهاية عام 2017 بحراك المسيرة الخضراء في عام 2009، لأن مظاهرات 2009 اندلعت بسبب انحياز مرشد الثورة الخمينية خامنئي مع أحمدي نجاد ضد كروبي مرشح الإصلاحيين، فالمظاهرات ليست ضد النظام ولكن ضد أحد جناحيه في صالح الجناح الآخر أخذاً بمبدأ «وبعض الشر أهون من بعض»، أما مظاهرات ديسمبر (كانون الأول) 2017 فهي ضد منظومة الخمينية من جذورها، وهذا فارق جوهري كبير.