حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

إيران: قصة تحول حزينة!

كان أحد الأصدقاء في صدد شراء بعض المستلزمات لمنزله، وأخذ يستعرض معي القائمة التي كان يبحث عنها في الأسواق، وتعليقه عليها. قال لي: بحثت في الأسواق عن الفستق الإيراني ولم أجده، ولم أجد إلا الفستق الأميركي من كاليفورنيا والفستق التركي، وكذلك الأمر بالنسبة للزعفران الإيراني الذي لم أجده، ولكني وجدت الزعفران المغربي والهندي كبديل. حتى السجاد الإيراني الذي كان لا مثيل له أصبحت البدائل له متوفرة بعد انقطاعه عن السوق، فهناك السجاد التركي والقوقازي والأفغاني والهندي والصيني أيضاً. بل إن الأمر وصل إلى الأرز أيضاً. كان الأرز الإيراني من النوع البسمتي، هو أفخر الأنواع وأجود الأصناف، وكان دائماً مصدر طلب نخبوي لجودته الاستثنائية وسعره المرتفع، والآن لم يعد متوفراً وبقي الخيار الهندي والباكستاني.
والشيء نفسه يقال عن الخزف الإيراني، والأصفهاني منه تحديداً الذي دوماً ما كان يعرف بأنه الأهم والأفخر، اختفى هو أيضاً من السوق ليحل محله الخزف التركي والصيني وغيرهما.
تمعنت في حديث صديقي وأسقطته على المشهد السياسي اليوم في إيران، وحالة العداوة غير المنتهية بين إيران ودول الجوار منذ وصول الخميني إلى الحكم في عام 1979 حتى اليوم. بلاد كانت تتميز بحضارتها وصناعاتها وكانت مثار إعجاب وتقدير عظيمين من الدول في المنطقة وشعوبها، واليوم أجيال بأكملها لا ترى في إيران إلا دولة «معادية» ولا «تريد الخير لشعوب المنطقة» و«لها أطماع توسعية»... هذه هي أهم الأوصاف التي يتم فيها تصنيف إيران في الصورة الذهنية الشعبية اليوم.
إيران فقدت مكانتها «المحترمة» التي كانت لديها كدولة رائدة في المنطقة وتسبق من هم في جوارها اقتصادياً ومدنياً، اليوم تحولت إيران إلى دولة مارقة متطرفة لم يبقَ من أثرها المدني إلا إرث ماضيها الحضاري، وهي أطلال يبكي على آثارها من يتذكرها ممن عاشروها قديماً. لكن كل ذلك هو من الماضي، أما الحاضر فهو مؤلم جداً. إيران فشلت سياسياً وهزمت اقتصادياً وتدهورت ثقافياً وانهارت علمياً، الأمر الذي يفسر استمرار التشنج شعبياً في الشارع الإيراني الملتهب ضد النظام بسبب تردي الوضع الاقتصادي وانتشار الفساد وزيادة رقعة الفقر وغلاء الأسعار وتسلط الحرس الثوري وبطش الملالي ومحاسيبهم وأنصارهم بشكل غير مسبوق.
إيران كنظام حاكم، وليس شعبها المغلوب على أمره، اختارت أن تعادي العالم العربي وتصدير ثورتها البائسة إلى دوله واللعب بالورقة الطائفية البغيضة والرهان على الميليشيات الخارجة عن منظومة الدولة الرسمية.
وها هي إيران اليوم تدفع ثمن فشلها الاقتصادي والسياسي بعد سنوات من خداع شعبها وبيع الأوهام لهم وإقناعهم أنهم «سيطروا» على العالم العربي، وأن ثورتهم تلقى «القبول» التام والكامل، هي في الواقع «مرفوضة» و«منبوذة» من الشعوب والحكومات العربية تماماً، والغضب الشعبي الموجود في الشارع الإيراني هو نتاج خيبات الأمل وحصاد الوهم بعد أن نفد الصبر، وانفجر بركان الغضب وانكسر جدار الخوف وذهبت رهبة وهيبة الأيقونات للزعامات وآيات الله ومن هم معهم.
ما يحصل اليوم في الشارع الإيراني حتى وإن لم يؤدِ إلى تغيير في النظام حتماً أفقد النظام احترامه وهيبته في عيون شعبه، وبات النظام مرتبطاً عنده بالكذب والزيف والنفاق والبطش والفساد. علاقة النظام في إيران مع شعبه وصلت إلى نقطة اللاعودة والشرخ بينهما أكبر من العلاج والترقيع الذي قد يحصل.
ما حصل هو نتاج تراكمي طبيعي جداً لسلسلة متواصلة من الإخفاقات والإحباطات والوعود الكاذبة وليست وليدة صدفة أو حادث عابر كما يروج له الإعلام الإيراني.
إيران كانت جميلة حولها نظام الملالي إلى قصة قبيحة. مختصر مفيد.