حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الميزانية الجديدة

أعلنت السعودية عن ميزانيتها لعام 2018 بـ978 مليار ريال، ووصفت بأنها الميزانية الأكبر في تاريخها من ناحية حجم الإنفاق فيها. ولعل ما كان لافتاً ومهماً في طرح الميزانية هذه السنة هو اعتمادها على أسلوب متطور من الهندسة المالية لتوسيع «الأدوات» التي تحت يدي الدولة بشكل غير مسبوق. فأتت الميزانية التي كانت تعتمد على العوائد النفطية بنسبة دوماً ما تكون حول الـ90 في المائة، هذه السنة معتمدة على العوائد النفطية بنسبة لا تزيد على 50 في المائة والباقي مكون من الآتي: 30 في المائة من الإيرادات غير النفطية، و12 في المائة من طريق الدين العام، و8 في المائة أرصدة حكومية نتيجة وفورات واحتياطات.
هناك نقطة مهمة ولافتة جداً، وهي أنه على الرغم من أن الإنفاق المعتمد في الميزانية لعام 2018 يبلغ 978 مليار ريال، فإنه لا يمثل إلا 88 في المائة من إجمالي ما سينفق، وهذا يوضح لنا نقطتين مهمتين؛ النقطة الأولى هي أن هناك إنفاقاً استثمارياً من الدولة بشكل إضافي بلغ مقداره 133 مليار ريال. هذا الإنفاق الاستثماري عبارة عن 83 ملياراً من صندوق الاستثمارات العامة، و50 ملياراً تأتي من قبل صناديق التنمية الوطنية.
النقطة الثانية أنه من ضمن الإنفاق المعتمد في الميزانية البالغة قيمته 978 ملياراً، هناك 205 مليارات ريال إنفاقاً رأسمالياً، مما يعني أن مجمل الإنفاق الرأسمالي سيكون 338 مليار ريال في ميزانية 2018، بما يعادل 13.5 في المائة من الناتج المحلي، علماً بأن هذه الميزانية التاريخية تأتي في ظل أسعار لبرميل النفط عند مستوى 60 دولاراً، بينما أعلى ميزانية في تاريخ المملكة قبل هذه السنة كانت بمعدل أسعار للبرميل عند 120 دولاراً. من الواضح جداً أن الدولة قررت وبقوة أن تكون الصناديق الاستثمارية هي التي ستكون المحرك الأساسي للاقتصاد السعودي، ووضعت الدولة هدفين استراتيجيين في برنامج التوازن المالي الذي تبنى عليه الميزانية؛ هما ألا يقل الاحتياطي العام عن مائتي مليار ريال، وألا تزيد نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي على 30 في المائة.
زيادة الإنفاق تخطت الـ13 في المائة، والإيرادات غير النفطية نمت بشكل غير مسبوق حتى بلغت 256 مليار ريال. وسيتم إطلاق 9 برامج في 2018 لزيادة النمو، وسيكون تحدي البطالة وكبح التضخم أهم ما يواجه الاقتصاد السعودي، علماً بأنه قد يكون هناك «ضخ» غير محسوب له في الميزانية، مما يساعد على «تسهيل» التحديات مثل المبالغ التي تأتي من اكتتاب «أرامكو» إذا ما تم كما هو مقرر له خلال 2018، وما تم تحصيله من الحرب على الفساد، ليوجه إلى برنامج الإسكان، بحسب تصريح وزير التجارة والاستثمار.
ميزانية 2018 فيها إعداد ومنهجية مهنية غير مسبوقة، ومن الواضح أن الدولة قررت العودة بقوة، لتكون هي المحرك الاقتصادي الأساسي، والحفاظ على معدلات إنفاق رأسمالي يليق برؤية طموحة ومهمة.
ميزانية 2018 تستحق أن يتفاءل معها السعوديون، لأن منهجيتها فيها طموح وجرأة مطلوبة.