عادل درويش
صحافي معتمد في مجلس العموم البريطاني، وخبرة 55 عاماً في صحف «فليت ستريت». وكمراسل غطى أزمات وحروب الشرق الأوسط وأفريقيا. مؤرخ نشرت له ستة كتب بالإنجليزية، وترجمت للغات أخرى، عن حربي الخليج، و«حروب المياه»؛ أحدثها «الإسكندرية ، وداعاً: 1939-1960».
TT

{زلشباب}... أم هزة شبابية؟

قاموس أكسفورد، أو معجم أكسفورد أهم المراجع التي تدرج كلمات جديدة، أو معاني جديدة، أو تعبيرات مركبة من مفردات قديمة تكتسب معنى جديداً.
في نهاية العام، يطبع ملحق جديد لمعجم أكسفورد.
أول طبعة من أكسفورد المركّز (أي الطبعة الصغيرة) صدرت 1911، بينما تعود الطبعة الأكاديمية متعددة الأجزاء إلى عام 1478.
في منتصف 2009 بلغ عدد الكلمات في اللغة الإنجليزية مليون كلمة، وضمت الأجزاء العشرون لقاموس أكسفورد 171.476 ألف كلمة، منها 47165 كلمة أحيلت على المعاش.
المرجع الآخر قاموس ويبستر، ظهرت أول طبعة له في 1828 من تحرير متخصص اللغة الأميركي نوح ويبستر (1758 - 1843).
يوم الخميس أعلن معجم أكسفورد «كلمة عام 2017» وهي (youthquake)، والترجمة الحرفية «هزة شبابية» بديلاً لهزة أرضية. السبب التأثير الهائل للشباب (من سن 18 إلى 24) في انتخابات 2017، وصعود نجم زعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربين، وترجيحهم كفة العمال، فأفقدوا الحكومة الأغلبية المطلقة.
باللغة العربية ستكون دائماً كلمتين، هزة شبابية أو زلزال شبابي. ولو كان الأمر بيدي لابتكرت كلمة «شبالزال» أو«زلشباب»، لكن الأمر بيد مستخدمي اللغة. بشكل يومي.
ليس بيدنا ككتّاب وصحافيين مهما اجتهدنا وابتكرنا من كلمات، إنما يحسم في الشوارع والمقاهي وحلقات النقاش الطلابية وهتافات جماهير المظاهرات أو المحتفلين في مهرجان عام. أي كثرة التداول، بشروط معينة يحددها فهرس أكسفورد.
لا أعرف بالضبط كيف تحدد القواميس والمعاجم العربية المعاصرة شروط إدراج كلمة جديدة تضاف للغة (إن وجد هذا التقليد)، ربما لأن الفارق بين العربية والإنجليزية هو الجمود والحيوية.
اللغة العربية كما تقرأها على هذه الصفحة لا تسمعها إلا في نشرات الأخبار وتقرأها في الكتب أو محاضرات الجامعات، بينما الناس في الشارع والأسواق، وفي بيوتهم يتحدثون لغة أخرى، يفكرون بها ويطورونها ويبتكرون لها مفردات ومعاني جديدة تلائم الغرض.
الناس في البلدان الناطقة بالإنجليزية (وحتى غير الإنجليزية بسبب استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي) يتحدثون اللغة نفسها والمفردات نفسها التي يستخدمونها في التفكير، ويسمعونها في نشرات الأخبار ويقرأونها في الكتب والصحف، ولذا تتطور اللغة الإنجليزية المكتوبة مع المنطوقة في الشارع.
كلمة العام التي وضعت الشباب محل الأرض في زلزال (زلشباب، أو هزة شبابية) ليست جديدة، وإنما ظهرت في ستينات القرن الماضي، فترة تمرد الشباب وموسيقى الهيبيز والحب بدل الحرب، والزهور، فلماذا أصبحت كلمة العام بعد نصف قرن في 2017؟
في كل عام يدخل اللغة الإنجليزية في المتوسط ألف كلمة، وفي القرن العشرين وحده دخل اللغة الإنجليزية 90 ألف كلمة جديدة.
تعبير «الهزة الشبابية» ككلمة مركبة كان ببساطة الأكثر تداولاً بين مستخدمي اللغة الإنجليزية، بمعنى كان له أثر كبير، وليس لأنه التعبير الأكثر جاذبية وإبداعاً.
كغيري من كل الكتاب والمؤلفين باللغة الإنجليزية قمت بتوليف وابتكار عشرات الكلمات في مسرحيات وستة كتب (صدرت بين 1975 و2011) لكن ليس بينها من الكلمات المائة الأكثر تداولاً.
وكانت كلمة العام الماضي مركبة من كلمتين «ما بعد الحقيقة»، وقد ظهر بصعود نجم دونالد ترمب وشعبيته الجارفة، أما «سيلفي» فكانت كلمة 2013 وجنون موضة التقاط الصور الذاتية للشخص وأصدقائه «سيلفي».
هذا يدخلنا في الشروط التي يختار فيها محررو قواميس أكسفورد الكلمات المبتكرة الجديدة لإدراجها في القاموس.
ينكب محررو قاموس أكسفورد على المجلات والصحف والكتب ويستمعون للإذاعات ويبدأون في خلق جداول وخانات لتسجيل المناسبة ثم التكرار، وما إذا كانت كتابة أو تداولاً شفهياً أو كليهما.
فمنذ خمسينات القرن الماضي استخدم المحررون أجهزة الكومبيوتر لبرمجة هذه الجداول، ولأكثر من ربع قرن والصحف الآن ومعظم الكتب على الإنترنت، وبالتالي تستطيع الجداول المبرمجة بالكومبيوتر أن تحسب مدى انتشار تداول الكلمة التي تدخل اللغة، إما تعبيراً جديداً خالصاً، أو مركباً أو استخداماً بمعنى جديد لتعبير قديم.
ما بين 20 ألفاً و35 ألف كلمة هي متوسط ما يعرفه الشخص العادي الذي لسانه الأصلي الإنجليزية، يكون قد اكتسب منها خمسة آلاف كلمة في سن الرابعة ويتضاعف إلى عشرة آلاف وهو في الثامنة من العمر، وبالطبع تختلف مصادر الكلمات، والجهة التي تتجه منها الكلمات التي يكتسبها الطفل فالمراهق فالشاب فـ....
ولأن المصدر يتطور ويتغير بمرور الأجيال، تحرص قواميس أكسفورد على إضافة بضع صفحات كل عام.
وبعد مرور 400 عام على وفاة الشاعر والمسرحي الأشهر ويليام شكسبير (1564 - 1616) لم تعد مدينته، ستراتفورد على نهر أيفون في وسط إنجلترا، حيث صاغ مسرحياته وأشعاره، هي المعمل الذي تفرخ فيه الكلمات الإنجليزية الجديدة، فبسبب وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الإنترنت يولد تعبير إنجليزي كل مائة دقيقة أو نحو 14 كلمة يومياً.
الكلمة الجديدة عندما تدرج في قاموس أكسفورد يكتب عنها فقرة يتحدد طولها حسب المطلوب من الشرح وحسبما سجله المحررون في جداول البحث.
أولاً المصدر والمعنى والاستخدام الأول، وما إذا كانت الكلمة أنغلوسكسونية، أو لاتينية أو جرمانية (مصادر اللغة الإنجليزية) أو كلمة أجنبية تمت أنجلزتها (كلمات عربية كانتفاضة وجهاد، وكلمة كوشير العبرية، وبرافو الإيطالية كلها اليوم أصبحت كلمات إنجليزية). ويلاحظ مثلاً من يستخدم المصطلح اللغوي في برامج كـ«ميكروسوفت» أو «أبل» أو «آيفون» أن مدقق اللغة الإلكتروني لا يضع خطاً تحتها أو يصححها، فقد أدرجها قاموس أكسفورد في اللغة.
من الكلمات التي ظهرت عام 2017 ودخلت القاموس ككلمة إنجليزية، تعبير روسي استخدم بكثرة في موسكو «Kompromat»، بمعنى المادة أو الجوهر الذي يستخدم لابتزاز شخص وإجباره على تقديم التنازلات، والطريف أن الكلمة مشتقة من الفعل الإنجليزي compromise، أي تقديم التنازل.
ولا يضمن تكرار الاستخدام أن يدخل المحررون الكلمة القاموس، فقط عندما يكون لها معنى مفهوم للمتلقي، مع ضمان استمرارية الاستخدام تدخل الكلمة القاموس. فمثلاً «بريكست» المتكررة لم تختر كلمة عام 2017، لأنها لم تضف الجديد، وإنما تعبير قديم أضفى معنى جديداً وأثراً سياسياً غير مسبوق.
أو خذ مثلاً Carbon - footprint، والترجمة الأقرب الآثار التي تتركها غازات المحروقات الكربونية على البيئة، وهي مركبة من «كربون» و«آثار أقدام»، والأخيرة كانت أصلاً كلمتين تحولت لواحدة في الإنجليزية. التعبير استخدم لأكثر من عقدين فيما يتعلق بالبيئة ولا يزال مستخدماً.
وصمود التعبير الجديد للاستعمال اليومي سيكون اختباراً لبقائه في أكسفورد الحي أم يدخل قاموس الكلمات القديمة نادرة الاستخدام أو التي أحيلت على المعاش... فلننتظر العام المقبل.