زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

أمير للتراث الوطني

ما زلنا مع ملتقى التراث الأول الذي أقيمت فعالياته في العاصمة الرياض منذ أسابيع قليلة؛ وكان من ضمن فعاليات الملتقى محاضرة يلقيها الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز. وبالفعل كانت محاضرة مثيرة للاهتمام، وتلخص أهم نتائج الاكتشافات الحديثة في شبه الجزيرة العربية، التي تفتح آفاقاً جديدة لفهم تطور الحياة البشرية على كوكب الأرض؛ وذلك من خلال معرفة الجذور الأولى للإنسان على الأرض. كنت أستمع إلى الأدلة والبراهين والشرح المفصل وبكل تواضع وعلم من الأمير سلطان بن سلمان، وقلت في نفسي إن هذا الرجل وما فعله للحفاظ على تراث المملكة يستحق لقب «أمير التراث الوطني».
وأهم ما جاء في الورقة البحثية المقدمة أن الأبحاث الجديدة في الجزيرة العربية أكدت أن هذه الصحراء كانت خضراء تجري فيها الأنهار، وقد تم توثيق مسار العديد من البحيرات والأنهار الجافة، وقد أشار الأمير سلطان أيضاً إلى أن دراسة مقابر الهجرات الأولى تثبت بالدليل القاطع أن سكان أوروبا وآسيا جاءوا من الجزيرة العربية، أي أن أصل هذا العالم جاء من الجزيرة العربية. وتعرض الأمير إلى اقتصاد الجزيرة العربية في الأزمنة القديمة الذي اعتمد بطريقة مباشرة على التجارة، وأن طرق الحج قد ارتبطت أيضاً بطرق القوافل التجارية، ونشأت ممالك وحضارات لتأمين التجارة... وتطرق إلى اللغة العربية، وأن القرآن الكريم قد نزل ليجعلنا فخورين بنقل اللغة العربية إلى أماكن كثيرة، وهيأت الناس لتعلم لغة القرآن وتحقق بذلك معجزة القرآن...
وقد تطور الخط العربي ليصبح قادراً على أن يُكتب القرآن بأجمل الخطوط للغة حضارية وهي اللغة العربية، وقد نهض شعب الجزيرة العربية لمناصرة الرسول، ونشأت العديد من الدويلات الصغيرة حتى جاءت الدولة السعودية عام 446هـ لإعلان كلمة الإسلام، وكان المؤسس هو الرجل العظيم الملك عبد العزيز، خادم الحرمين والإسلام... وهنا طرح الأمير السؤال الذي هو عنوان المحاضرة: هل بدأ الإنسان خطواته الأولى من السعودية؟... وهنا أشار إلى أن الله سبحانه وتعالى قد اختار شعب الجزيرة العربية لحمل هذه الرسالة السامية، وبالتالي نقلت إلى العالم كله... لماذا لم يختر الله سبحانه وتعالى شعباً آخر ومكاناً آخر لحمل هذه الرسالة، وأن يكون هذا الدين هو آخر الأديان السماوية؟
وجاءت الورقة التي قدمها لنا الأمير سلطان بن سلمان لتكون دعوة للمؤرخين والأثريين إلى إعادة قراءة التاريخ، وأن هناك مادة علمية وأثرية موجودة، ولكن علماء الآثار والمؤرخين أهملوا قراءتها. وأضاف أن هناك شواهد ودلائل، بل ومعالم قد تنير لنا الطريق العلمي لمعرفة الحقيقة... ونحن اليوم لدينا العديد من أدوات المعرفة التي قد تساعد في الوصول إلى حلول تجعلنا نعرف أسباب اختيار الله سبحانه وتعالى لأن تحتضن الجزيرة العربية آخر الأديان السماوية، وفي الوقت نفسه يستند الأمير إلى الدليل العلمي، وخاصة الآثار، وقال إن هناك ضرورة إلى أن تعاد قراءة النصوص والآثار على أن نكون متسلحين بأدوات العلم؛ ولذلك يجب أن ندعو العلماء لكي يناقشوا هذا الموضوع، واضعين أمامهم نقاطاً مهمة جداً وهي الأدلة الأثرية التي تثبت أن الجزيرة العربية لم تكن في الماضي صحراء جرداء، بل كانت خضراء بها الأنهار والبحيرات؛ أي أنها كانت بيئة ملائمة لاحتضان الإنسان ومعيشته.