محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

حيلة «الالتزام» في الإقناع

حينما يتوافد الناس نحو كبريات المتاجر تنصب لهم تلك الشركات وغيرها مصيدة خفية. فحينما يقصدها القاصي والداني أملاً في الاستفادة من خصومات مغرية لمنتجات معينة (كالأثاث مثلاً) قد يتفاجأ الزائر بأنه لم يجد مبتغاه، فتبدأ حيلة شهيرة وهي تقديم بدائل مغرية معروضة، أو طلب سلعة بديلة من المخازن الخارجية، بدلاً من تلك التي نفدت، أو وجد العميل فيها عيباً يتعذر معه شراؤها.
الدراسات العلمية أظهرت أن الإنسان حينما «يلتزم» بقرار ما «كشراء تلك السلعة التي تم طلبها» فإنه سيكون أكثر ميلاً نحو شرائها بالفعل، بسبب «التزامه» الأدبي أو ما يسمى بالإنجليزية Commitment.
والأمر نفسه يحدث في عالم السيارات لا سيما ‏بين الوسطاء أو من نسميهم باللهجة الكويتية الدارجة «الشريطية». فبمجرد دخولنا إلى ساحة المواقف يتلقفنا هؤلاء بعروض سعرية شفهية لم تكن في الحسبان. ‏ثم ما أن يبدي العميل استعداده أو التزامه المبدئي بالسعر يبدأ بعدها الوسيط باختلاق أعذار تبرر تخفيض السعر... وهلم جراً. يسمى ذلك تكنيك Low - ball، وهو تعبير مجازي كناية عن رمي كرة على ارتفاع منخفض، يمكن لأي شخص التقاطها. وأحياناً يعرض بائعون تجربة قيادة مجانية أو إبقاء السيارة ليوم كامل مع العميل ليشكلوا لديه نوعاً من الالتزام الذي قد يصبح الفكاك منه لاحقاً أمراً صعباً.
وهذا الأسلوب مشروع، وهو نوع من الذكاء في التعامل ومخاطبة النفس البشرية، خصوصاً إذا كان هدفه نبيلاً وسامياً، مثل شعار «ادفع ديناراً تنقذ مسلماً» الذي أطلقه أيقونة العمل الخيري العربي الكويتي عبد الرحمن السميط. وإعلان موسوعة «ويكيبيديا» الذي يقول: لو دفع كل من قرأ هذه المقالة جنيهين لاستمررنا في تغطية تكاليف هذه الموسوعة المجانية لسنوات عديدة، وهم يعلمون أن من سيلتزم بمبدأ التبرع من الطبيعي أن يميل لدفع مبلغ أكبر.
وقد رأيت صوراً عديدة من طرق الاستفادة من تكنيكات الالتزام، منها مكتب محاماة في بريطانيا بنى كل إعلاناته على عرض استشارات قانونية مجانية لمدة ربع ساعة. ولن أستغرب حينما أرى أن عدداً من الناس سوف تقبل بتمديد المدة وإن كانت بمقابل مادي، لا سيما إذا حاول المحامي بطريقة غير مباشرة التلميح إلى خبرته في هذا المجال. وتسمى هذه الطريقة foot - in - the - door أو «قدم عند الباب» وقدمها الباحثان فريمان وفريسر في دراستهما الشهيرة عام 1966، وثبت علمياً أن من يقبل بطلب بسيط يكون أكثر ميلاً للالتزام بطلب أكبر قليلاً لاحقاً.
ومن طرق الالتزام أيضاً طريقة ذكرتها في مقال سابق بعنوان «جدار الإقناع الرابع»، وهو جدير بالتأمل لكل من يحاول التفاوض مع الآخرين.
العلم الحديث يقدم لنا آلاف الدراسات التي تظهر أن الإنسان كائن حي له حاجات ورغبات يمكن استغلالها بما يحقق منفعة متبادلة بيننا وبين الآخرين، بعيداً عن الكذب الذي يتناسى الكذابون أن حبله قصير.

[email protected]