ميشيل غولدبيرغ
كاتب من خدمة «نيويورك تايمز»
TT

هل الرأسمالية بطل أسطوري مُني بالفشل؟

مساء أحد أيام الجمعة من الشهر الماضي، اضطلعت بإدارة نقاش في مانهاتن حول ما إذا كان يتعين علينا التخلي عن الرأسمالية. جرى تنظيم النقاش من جانب مجلة «جاكوبين» الاشتراكية، وكان من بين فريق المدافعين عن الرأسمالية محررون في إصدار «ريزون» صاحب التوجهات الليبرالية. اللافت أنه في غضون يوم واحد فقط نفدت جميع تذاكر المقاعد الـ450 المتاحة. وعليه، اضطرت المجلة المنظمة للحدث إلى نقله لمكان آخر يتسع لضعف هذا العدد. المفاجأة أن التذاكر الإضافية نفدت في غضون ثماني ساعات فحسب.
عندما وصلت إلى القاعة، كان هناك حركة وضجيج جعلاني أشعر بأنني داخل أحد الملاهي الليلية. وبدا لي أن غالبية الحضور في العشرينات والثلاثينات من العمر، أي أنهم يمثلون قطاعاً من جيل يضمر مشاعر ريبة وتوجس عميقة إزاء الرأسمالية، النظام الذي تعامل معه غالبية أسلافهم باعتباره أمراً واقعاً.
من جهتها، أحست مؤسسة النصب التذكاري لضحايا الشيوعية بقلق شديد عندما خلص استطلاع للرأي أجري في وقت قريب أن 44 في المائة من أبناء الألفية الجديدة يفضلون العيش داخل دولة اشتراكية، مقارنة بـ42 في المائة يرغبون بالعيش في ظل نظام رأسمالي. بالنسبة للأميركيين الأكبر سناً، بدا انهيار الشيوعية وكأنه ما من بديل ممكن للرأسمالية، لكن بالنظر إلى الطبيعة الأوليغاركية المتنامية لاقتصادنا، من غير المثير للدهشة أن نجد أنه بالنسبة للكثير من الشباب تبدو الرأسمالية أشبه بالبطل الأسطوري الذي مني بالفشل.
ويبدو ذلك جلياً على نحو خاص في مشروع قانون الضرائب البائس الذي مرره مجلس الشيوخ خلال الساعات الأولى من صباح السبت، والذي من شأنه زيادة الأثرياء ثراءً والفقراء فقراً. وتبعاً لما أفاده «مركز السياسات الضريبية» صاحب التوجهات السياسية المستقلة، فإن مشروع القانون يوجه النصيب الأكبر من الخصومات الضريبية كنصيب من الدخل إلى الـ5 في المائة الأعلى دخلاً من دافعي الضرائب. وبحلول عام 2027. سترتفع الضرائب على كاهل أصحاب الدخول الأقل.
والواضح أن أبناء الألفية الجديدة سيكونون الأكثر تضرراً من هذه السياسات. ومثلما أوضح رونالد براونستاين في مقال نشرته مجلة «ذي أتلانتيك»، فإن الأثرياء الذين سيستفيدون من الإجراءات التي مررها مجلسا الشيوخ والنواب يميلون إلى الأكبر سناً (والبيض) عن باقي السكان بوجه عام.
أما المواطنون الأصغر سناً، فسيتحملون العبء الأكبر، إما من خلال التعرض لضرائب أعلى أو جراء انحسار الخدمات العامة أو كلا الأمرين، ويعني ذلك أن هذا الجيل سيرث مجتمعاً أكثر طبقية عما ولد فيه.
من ناحية أخرى، ليس ثمة منطق اقتصادي وراء ما يفعله الجمهوريون. في الواقع، هناك إجماع بين الخبراء الاقتصاديين الأكاديميين على أن الخطة الضريبية التي اقترحها الجمهوريون ستزيد العجز في الموازنة الأميركية التي طالما زعم الجمهوريون بأنهم يهتمون بها. ومع تراجع معدلات البطالة، يرى الكثير من الخبراء أن الاقتصاد ليس بحاجة لأي محفزات. ومن المحتمل أن تسفر التخفيضات الضريبية عن حدوث عجز تجاري، الأمر الذي من المفترض أن الرئيس ترمب يرغب في الحد منه. وكثيراً ما يردد الجمهوريون أنهم يرغبون في تبسيط القانون الضريبي، لكن مثلما أوضح المحاسب توني نيتي في مجلة «فوربس»، فإن مشروع القانون الضريبي المقترح سيزيد الأمر تعقيداً بدرجة بالغة.
في الواقع، أحد الأسباب وراء هذا القانون الجديد الذي لا يسعى إلا لنهب الناس وانتهاك جميع مبادئ الحيطة الاقتصادية يكمن في الجشع الخالص، لكن ثمة آيديولوجيا ترى أن الأغنياء أكثر إنتاجاً واستحقاقاً من الآخرين. وقد بينت ذلك لويس لينتلون، زوجة وزير الخزانة ستيفن منشين، في تعليقها في «إنستغرام» في أغسطس (آب) الماضي رداً على إحدى الأمهات من ولاية أوريغون تجرأت على انتقاد استخدام لينتلون لطائرة الحكومة قائلة بسخرية: «هل أعطيت للاقتصاد أكثر مما أعطيت أنا وزوجي سواء فيما يخص الضرائب أو التضحيات للبلاد؟!».
ولكي لا تعتقد أنها ماري أنطوانيت لكن بلغة ركيكة، فقط فكر فيما صرح به السيناتور تشوك غراسلي، النائب الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية أيوا لصحيفة «ذا دي موني ريجستر» بشأن الحاجة إلى إلغاء الضريبة العقارية التي لا يدفعها سوى المليونيرات والمليارديرات. فقد قال: «أعتقد أن عدم فرض الضريبة العقارية من شأنه أن يميز بين من يقوم بالاستثمار ومن ينفقون كل قرش بحوزتهم سواء في اللهو أو على النساء أو الأفلام». ووفق هذا المنطق، فإن لينتلون، أو أطفال ترمب، أكثر فائدة من الناحية الاجتماعية من أي شخص غير مسؤول بدرجة كافية يعيش انتظاراً للراتب تلو الراتب. ولكي لا يتغلب علينا الآخرون، جادل في اليوم التالي السيناتور أورين هاتش، العضو الجمهوري بمجلس الشيوخ عن ولاية أوتا، بأن الكونغرس لم يقر «برنامج التأمين الصحي للأطفال»، الذي ساعد في إيجاده ولا يزال يقول إنه يدعمه والسبب هو أنه «لم يعد لدينا مال». استمر الرجل حانقاً على الفقراء وقال: «قضيت الكثير من الوقت في إنفاق ملايين ومليارات الدولارات على أشخاص لا يريدون أن يساعدوا أنفسهم، ولا يريدون أن يتعبوا في شيء، وينتظرون من الحكومة أن تفعل كل شيء نيابة عنهم». لكن كان من غير الواضح ما إذا كان يتحدث عن التسعة ملايين طفل الذين يتمتعون بغطاء الرعاية الصحية أم عن آبائهم.
بعد سقوط الشيوعية، جاءت الرأسمالية لتبدو مثل دول العالم الحديث الطبيعية، لتبدو كما هو الحال في ظل غياب الآيديولوجيا. في الحقيقة، إن جيلاً اتجه إلى التطرف لأنه ظهر الفساد الأخلاقي وعدم المساواة في أوضح صورهما.
* خدمة «نيويورك تايمز»