د. محمد الزغول
كاتب من مركز «الإمارات للسياسات»
TT

الحل في سوريا وافتراق المتحالفين

عندما تمتد الأزمات والصراعات تتصدع تحالفاتُها الأوليّة. تتشكّل خرائط مصالح جديدة، وتتآكل أخرى. ومن يتأخر عن اللحاق بالتحوُّلات والحقائق الجديدة على الأرض، يُترَك. لا عواطفَ في الأمر، ولا فسحة من الوقت لدى الحلفاء المتقدمين للوقوف، وانتظار وصول الصديق المتأخر.
أنهى جنرالات روسيا الاتحادية مهمتهم في سوريا. روسيا باتت قريبة جداً من الوصول إلى السيناريو الأمثل الذي كانت موسكو تتوخاه. ومجمل أهداف فلاديمير بوتين الاستراتيجية تحققت بنجاح؛ أعاد الرجل الاعتبار لمكانة روسيا الدولية. نجح في مواجهة الولايات المتحدة. حصّن الموقع الجيوسياسي لروسيا، وتوّج إنجازاتها الجيوعسكرية في جورجيا عام 2008، وأوكرانيا في 2014، بمناطق نفوذ مستدامة في الشرق الأوسط، وعلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. تحقق أخيراً طموح روسيا الاستراتيجي القديم. شعبية الرئيس بوتين، وقوته في الداخل الروسي، لم تعُد موضع شكّ.
استراتيجياً، باتت المعادلة واضحة: أمن البحر المتوسط مقابل أمن البحر الأسود. ومحاولات الاحتواء الأميركية السابقة، سواء الاقتراب الجيوعسكري من حوض البحر الأسود، أو نشر الدرع الصاروخية في القوقاز وتركيا، كلُّها باتت بلا مفاعيل حقيقية. يُفاخر الرئيس بوتين اليوم بأنّه أبعد شبح «الإرهاب» عن المحيط الأمني الروسي، وتعاملَ مع الإرهابيين القادمين إلى سوريا من جمهورية الشيشان، والدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة، بعيداً عن الأرض الروسية.
الاقتصاد الروسي أيضاً مدينٌ للرئيس بوتين، وجنرالاته؛ شجّعت مكاسب روسيا الاستراتيجية دولاً كثيرة في الشرق الأوسط، وأماكن أخرى من العالم، على التقارب والتحالف مع موسكو. زاد نفوذ روسيا في المنطقة، وتعاظمت فرصها الاقتصادية. استعراض القوة العسكرية الروسية، واختبار الأسلحة الروسية الجديدة، لم يذهب أدراج الرياح؛ صفقات الأسلحة بدأت تتوالى على موسكو. وبات من الممكن التحكُّم باحتياطات الغاز الضخمة في شرق المتوسط، بما يحمي أسعار الغاز الروسي في السوق العالمية.
في الإطار المحلي السوري، حقَّق التدخل الروسي مقداراً من الاستقرار للنظام السوري، بما يُفضي إلى إجبار المعارضة على القبول بالحلّ السياسي، وفق الرؤية الروسية. واستتباعُ سوريا، بغض النظر عمَّن سيحكُمها، لتسهيل تحقيق الأهداف السابقة، باتَ في متناول اليد.
في الجانب الآخر، تُواجهُ إيران ووكلاؤها من الميليشيات الطائفية، وهم الحليف الثاني للنظام السوري، كثيراً من المشكلات في تثبيت أيّة مكاسب استراتيجية لهم في سوريا، فلا تزال هناك شكوك حول قدرة إيران على فرض نفوذ طويل الأمد لها في سوريا. هناك موقف أميركي، وعربي، وإسرائيلي، وشعبي سوري، مناهض لتثبيت هذا النفوذ.
يدرك الرئيس بوتين، وجنرالاته الكبار، أنّ تحقُّق السيناريوهات المُثلى مَحْض ومضةٍ تاريخيّة عمرُها قصير جدّاً. فرصةٌ يتعيّنُ اقتناصُها، أو خسرانُها. ليس في الأمر مُتَّسع لانتظار وصول الشريك المتأخر عن قاطرة الأهداف الاستراتيجية، لا بُدّ من المضي قدماً في تثبيت المكاسب. والانتقال إلى حل سياسي سريع. صفةُ الاستعجال هنا ضرورية، فروسيا لا يمكنها أن تأمن جانب الولايات المتحدة، لناحية قيام الأخيرة بعمل قد يفضي إلى تغيير الوضع القائم. وهناك طبول مواجهات متعدّدة، خشنة وناعمة، تُقرع في المنطقة. من الأنسب لروسيا الخروج بحل سياسي قبل اندلاع مواجهة محتملة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران ووكلائها من جهة أخرى.
تريد موسكو ضمان قبول إيران بالحل السياسي، وتلزيمها بمحتواه. لكنّ مشروع إيران في المنطقة يتغذى من استمرار الفوضى. لا مصلحة لطهران في الحل قبل تثبيت قدميها على الأرض السورية. يُذكِّر القادة الأمنيون في طهران الحليفَ الروسي بـ«تضحياتهم». تذكيرٌ أشبه بنداء استغاثة، يقول أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني: «علينا ألا ننسى أن الأزمة بدأت في عام 2011، والتدخل الروسي جاء في 2015. أما إيران ومحور المقاومة، فكانا حاضرين طيلة تلك المدة». بات واضحاً أن أبرز ما يعرقل تحقُّق الحل السياسي في سوريا اليوم، هو حضور الميليشيات المتحالفة مع طهران، والمحاولات الإيرانية للهيمنة على قرار النظام السوري. وبات واضحاً أن روسيا أحوج ما تكون اليوم للحل. فهل يفترق المتحالفون؟
- كاتب من مركز الإمارات للسياسات