نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

بداية الترويض المسبق

منذ بدأت العلاقة الأميركية الفلسطينية، لم تطرح أي إدارة أميركية موضوع مكتب المنظمة في واشنطن، بل إن الفلسطينيين هم الذين كانوا يطرحون تحسين وضعه برفع مستوى تمثيله.
كانت الإدارات تساير الفلسطينيين؛ تارة تقدم بعض التسهيلات، وتارة أخرى تعد برفع المستوى، إلا أن المكتب ظل على حاله، وواصل علم فلسطين الخفقان في سماء واشنطن.
القيمة الرمزية للمكتب أقوى بكثير من دوره الوظيفي، فهو الإشارة الأوضح إلى الاعتراف الأميركي بالشراكة الفلسطينية، وهو الوعد الدائم بأن يتحول إلى سفارة حال قيام الدولة الفلسطينية، ثم هو أحد الإغراءات المقدمة للفلسطينيين كي يواصلوا المرونة والتعاون مع الإدارة الأميركية في جهودها الملتبسة لتحقيق تسوية فلسطينية إسرائيلية.
في عهد إدارة ترمب، تحول المكتب من مدلوله الإيجابي كرمز لعلاقة يراها الفلسطينيون بالغة الأهمية مع الأميركيين، إلى أداة ضغط مسبق بهدف التعاون الإيجابي مع صفقة القرن، وكذلك كعقوبة مخففة على التوجه الفلسطيني إلى محكمة الجنايات الدولية.
أزمة المكتب يمكن أن تحتوى بفعل جهود الوسطاء، أو المسافة الزمنية بين القرار وتطبيقه، إلا أن ذلك ليس هو الأمر المهم الذي يقلق الفلسطينيين، فقبل أن يُعرف أي شيء نهائي حول صفقة القرن، يطالب الفلسطينيون بسلسلة إجراءات يتعين عليهم القيام بها، لإثبات الأهلية والجدارة للحصول على حصتهم من هذه الصفقة المجهولة، فما بعد «نحنحة المكتب» يتصاعد الأمر بقرار أميركي ينطوي على عقوبات مالية، سببها مواصلة القيادة الفلسطينية دفع مستحقات المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وحتى المفرج عنهم ممن أدينوا بقتل يهود.
وبما أن القيادة الفلسطينية أعلنت أنها لن تستجيب لهذا الطلب الأميركي المحرج والمجحف، فإن العقوبات المالية إن لم يكن قد بُدء تنفيذها، فهي في وضع متقدم على أجندة الضغط الأميركي.
الخوف الفلسطيني من قرار العقوبات المالية الأميركي مبعثه وعي الفلسطينيين بكيفية التعامل الإسرائيلي معه، فلو مارس الأميركيون ما يهددون به، فمن الذي سيمنع إسرائيل عن ممارسة عقوبات أوسع، وهي تتحكم في الجزء الأكبر من المداخيل الفلسطينية؟
لقد أظهرت حكاية المكتب، وما أعلن عن عقوبات مالية أميركية، أن طريقة جديدة في العمل الأميركي، بشأن التسوية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي قد بدأت، وقوامها الترويض المسبق للقبول بما يعرض. وفي حال الرفض، قد يذهب الأميركيون إلى ما يعتبرونه العقوبة القصوى، وهي تجميد العمل على التسوية إلى أن «ينضج الفلسطينيون»، وهذا يعني تلقائياً إطلاق الحبل على الغارب لإسرائيل كي تفعل ما تشاء على الأرض، رغم أن الضغط الأميركي على إسرائيل يبدو حتى الآن مظهرياً وغير جدي. فحسب التجربة، فإن التوقف الأميركي عن العمل في مجال التسوية سيخلق لإسرائيل مناخاً لمضاعفة أطماعها التي لا تقف عند حد.
كان الحديث عن صفقة القرن بمثابة كسر الجمود وإنعاش الآمال، ولو جزئياً. أما الآن، فإن قلقاً متزايداً يصيب الفلسطينيين، ولا مناص من أن يصيب العرب، من خوف مشروع من ألا تكون صفقة القرن متوازنة بقدر يسمح بتبنيها.