ليونيد بيرشيدسكي
TT

على الصناديق السيادية بيع أصولها النفطية

من السهل النظر إلى مقترح بيع الأصول المرتبطة بالنفط والغاز الطبيعي، الذي تقدم به «بنك نورغيس لإدارة الاستثمار»، والذي يتولى إدارة صندوق الثروة السيادية النرويجي البالغ قيمته تريليون دولار، باعتباره رهاناً على التراجع القائم منذ فترة طويلة في الصناعة الهيدروكربونية بالبلاد. وبالفعل، توقع سيف ينسين، وزير المالية النرويجي والذي جرى توجيه المقترح إليه، بحدوث مثل هذا التراجع خلال كلمة ألقاها الجمعة الماضي. ومع هذا، يبقى ثمة سبب آخر أكثر وجاهة يدعو الصناديق السيادية المعتمدة على النفط لتغيير أسلوب تفكيرها.
من جهته، شرح الخبير الاقتصادي سوني كابور، الذي لطالما دعت المنظمة الفكرية التي ينتمي إليها، ري ديفاين، إلى تخلص صندوق المعاشات الحكومي النرويجي من استثماراته بقطاعي النفط والغاز الطبيعي، هذه الفكرة في تقرير نشره عام 2013 على النحو التالي:
«نظراً لأن الصندوق يحصل على أموال جديدة من مبيعات النفط والغاز الطبيعي سنوياً، فإن قيمته النهائية (عندما ينفد النفط) ستصبح معتمدة على نحو مفرط على السعر الذي بمقدوره بيع النفط تبعاً له. ويعني ذلك أن الصندوق عرضة لمخاطر كبيرة لارتباطه بالسياسات التي يتعين اتخاذها لتناول مشكلة التغييرات المناخية. ومن شأن أي زيادة في أسعار الانبعاثات الكربونية أو قيود على حجمها ترك تأثيرات سلبية على القيمة النهائية للصندوق. ورغم هذا الكشف الخطير أمام الكربون، لا يزال صندوق المعاشات الحكومي يوجه استثمارات ضخمة إلى شركات النفط والغاز الطبيعي، التي تشكل ثلاثة من بين أكبر 10 استثمارات له».
بعد أربع سنوات، قبل مسؤولو إدارة الصندوق هذا الرأي. وبالفعل، كتبوا في خطابهم الموجه إلى وزارة المالية، أنه بغض النظر عن أداء الأصول الهيدروكربونية في المستقبل، فإن الكشف المزدوج - عبر العائدات المتدفقة إلى الصندوق واستثماراته - يزيد المخاطرة التي يفترض من الصندوق الذي يرمي إلى الحماية من الفترات الاقتصادية العصيبة، تقليصها.
الملاحظ أن الكشف المزدوج أمام تقلبات أسعار النفط لا يقتصر على النرويج، وإنما من بين أكبر 20 صندوق ثروة سيادية بالعالم، 11 منها تعتمد على قطاعي النفط والغاز الطبيعي. وغالباً ما تفتقر محافظ هذه الصناديق إلى الشفافية، لكن ثمة أبحاث كشفت أنها تميل للإفراط في الاستثمار في الأسهم المتعلقة بالصناعات الهيدروكربونية. على سبيل المثال، قدرت دراسة نشرها بيرناردو بورتولوتي من جامعة بوكوني في ميلانو عام 2013 أن نصيب مجمل استثمارات صناديق الثروة السيادية في النفط والغاز الطبيعي يبلغ 7.1 في المائة، ما يعادل ضعف ما يوجهه المستثمرون الماليون من الدول ذاتها بوجه عام إلى هذه الصناعات. وتتوافق هذه النتيجة تقريباً مع ما ورد بدراسة صدرت عام 2010 عن سورندراناث جوري وآخرين من جامعة ميشيغان.
عام 2008، كتب فيدهي تشاوتشاريا من جامعة ميامي ولوك ليفين من صندوق النقد الدولي حول أن التحيز تجاه النفط «يبدو قوياً على نحو خاص من جانب صناديق الثروة السيادية الخاصة بدول منتجة للنفط».
وذكر الباحثان أن «حقيقة أن الدول التي تضم بعض أكبر صناديق الثروة السيادية هي ذاتها دول نفطية كبرى، يمكن أن تفسر النصيب المرتفع نسبياً لاستثماراتها في النفط والصناعات المرتبطة به».
ولمح الباحثان إلى أن مسؤولي إدارة الصناديق السيادية يميلون نحو الاستثمار في المجالات التي يملكون بها الخبرة الأكبر.
في الواقع، ليس ثمة أهمية حقيقية لما إذا كان المرء يعتقد أن موضة النفط انتهت، مثلما كان الحال من قبل مع الملح كسلعة قيمة. في الواقع، لا تشارك في هذا الاعتقاد الدول الأعضاء بمنظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» - الإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة العربية السعودية وإيران وليبيا - والتي بنت بعض أكبر صناديق الثروة السيادية عالمياً.
من جانبها، أعلنت المنظمة في وقت سابق من الشهر في إطار توقعاتها طويلة الأمد أنه بحلول عام 2040 سيرتفع الطلب العالمي على النفط بمقدار 15.8 مليون برميل يومياً، ما يشير ضمنياً إلى معدل نمو يبلغ 0.7 في المائة سنوياً. ورغم أن كل النمو متوقع داخل دول العالم النامي - بينما من المتوقع أن يتراجع النمو داخل الدول الغنية - فإن هذا في حد ذاته لا ينبغي أن يشكل سبباً للابتعاد عن الاستثمار في أصول هيدروكربونية. بيد أنه بوجه عام لا يبدو الاستثمار في الصناعة التي تغذي الصندوق توجهاً محموداً من منظور إدارة المخاطر، كما أنه فكرة سيئة من المنظور التنموي.
يذكر أن صناديق الثروة السيادية لديها أهداف معلنة مختلفة - من تحقيق الاستقرار بالاقتصاد الكلي، وصولاً إلى تمويل المعاشات بمجرد نفاد النفط - لكن يظل من المفيد دوماً النظر إليها كأدوات لتوسيع آفاق البلاد. بصورة عامة، يبدو من الحكمة الاستثمار في صناعات ترمي البلاد إلى تنميتها على الصعيد الداخلي، ذلك أنه مع الاستثمار تأتي التكنولوجيا والمشاركة في أسواق واعدة.
من جهته، ينصح كابور، من مؤسسة «ري ديفاين»، صندوق المعاشات الحكومي النرويجي بتوجيه استثماراته إلى الطاقة المستدامة، بحيث تتناغم نشاطاته مع الأهداف التي حددتها حكومة بلاده على صعيد الطاقة. أما الدول الشرق أوسطية، فليست مضطرة للالتزام بالنصيحة ذاتها، لكن تظل الحقيقة أن جهودها الرامية لتنويع اقتصادياتها سوف تستفيد من تنويع استثمارات صناديقها السيادية بعيداً عن النفط والغاز الطبيعي.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»