نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

من أجل الصراع القادم

منذ بدء الحرب على «داعش»، كان مؤكداً إنهاء وجوده العلني، بإنهاء سيطرته على أجزاء مهمة من الجغرافيا العربية.
سيلوذ «داعش» بالإرهاب العشوائي، أي أنه سيفجر ليس وفق أجندة سياسية، بل من أجل إثبات الوجود، وإرضاء غريزة الانتقام، وهذا النوع من العمل على خطورته يظل أقل شأناً من السيطرة الجغرافية وإعلان دولة.
لقد تأسستْ على حرب «داعش» معادلات وتفاهمات وتنسيقات وصراع بين الأطراف، وهذا هو حال الحروب المختلطة بين القوى الداخلية والخارجية، ولم يخلُ الأمر من علاقات استخبارية سعى منشئوها إلى تعظيم فوائدهم من الحرب، ففتحت الأبواب لـ«داعش» في بعض الأماكن، وأغلقت في الأماكن ذاتها، إلا أنها كانت تحت السيطرة.
ما بعد «داعش» سينزع الغطاء عن الصراع على النفوذ، وستضعف الحروب بالوكالة لتقوى الحروب المباشرة، وهذا يفرض اصطفافات مختلفة عن الاصطفافات التي أنتجتها حرب «داعش»، وهنا ينهض سؤال استراتيجي تجدر الإجابة عنه بصورة مبكرة، ماذا سيفعل معسكر الاعتدال العربي بعد انتهاء الحرب على «داعش»؟
وماذا سيفعل حين تستثمر إيران ما تراه فوزاً لها بمزيد من التطلع لتوسيع نفوذها، وتحويله إلى سيطرة مباشرة على دول بأكملها؟
وكيف ستكون العلاقات الداخلية والتحالفية بين دول الاعتدال؟
الأمر بحاجة إلى فهم مشترك لمهام ما بعد الحرب على «داعش»، وحال التوصل إلى فهم موحد ينبغي الدخول فوراً إلى تأسيس تحالف يأخذ طابعاً مؤسساتياً، موثقاً باتفاقات تفصيلية بين أطرافه الأساسية، وبين الظهير الأوسع لهذه الأطراف، وألا يترك أي أمر للاستنتاج والتلقائية. شيءٌ يشبه التجمع المحوري؛ فيما مضى كان الخوف من أمر كهذا مبعثه الحرص على وهم أن الجامعة العربية هي الإطار الوحدوي للأمة بأسرها، وبعد أن لم تعد الجامعة فعلياً كذلك، زال سبب الخوف، وزادت الحاجة إلى صيغ أكثر فاعلية، وكان الخوف كذلك من رد فعل أميركي لم يكن يرغب في ولادة محاور تضعف استقطابه في زمن الحرب الباردة، وهذا تغير بل لم يعد قائماً، وشواهد ذلك كثيرة تراها في جميع القضايا الدولية المثارة.
هل هي فكرة جنونية؟ أم أنها ضرورة بقاء؟
التنسيق رغم قوة الحاجة إليه يبدو في كثير من الحالات ارتجالياً وضعيفاً، وهذا ما ينعش آمال وأجندات الطامعين في رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، وما يوفر بعض المصداقية لادعاء إيران بالسيطرة على عدد من العواصم العربية، ومن سيتبقى فمصيره كمصير سابقه.
حرب النفوذ التي بدأت تطفو على السطح لن تنفع معها صيغ الماضي، التي تميزت بفوضى العلاقات وانعدام المردود.
مع وقوع تفجيرات متسلسلة بفعل عدم الاتفاق الناضج والمسبق على السياسات والمواقف، وضعف التحضير المشترك للمواجهة ورصد مستلزماتها، قد لا تكون الحرب على الإرهاب وعنوانها «داعش»، بحاجة ملحة لفرز حاد ينتج اصطفافاً أقرب إلى الوحدة، أما حرب النفوذ بنسختها القادمة، التي تنخرط فيها دول وليس عصابات، وتؤدى عبر حروب ربما يكون بعضها مباشراً، فتحتاج إلى منهج جديد قوامه الفهم المشترك لمهمات المرحلة القادمة، والاتفاق الحرفي دون فراغات لخوض التحدي كطرف واحد، الحاجة إلى ذلك باتت ملحة، فما هو قادم يمس المصير.