بكر عويضة
صحافي فلسطيني بدأ احتراف الصحافة في ليبيا عام 1968 حيث عمل في صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، ثم «البلاغ» و«الجهاد» في طرابلس. واكب صدور الصحافة العربية في بريطانيا منذ 1978 فعمل في صحيفة «العرب»، ثم مجلة «التضامن»، وبعدها جريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط»، كما عمل مستشاراً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية.
TT

التجارة طريق الصداقة

العنوان أعلاه ليس من عندي، إنما هو شعار تتخذه، وتعمل على تطبيقه، قدر الاستطاعة، غرفة التجارة العربية البريطانية. أمس، في أحد أعرق مباني لندن التاريخية (Banqueting House) احتفلت الغرفة بأربعين عاماً على انطلاق عملها. منذ تأسيسها، لم تعد الغرفة بوعود تخطف الأبصار كما البرق، ثم تفشل في تحقيق اليسير منها. لم تقل إدارة الغرفة - وأحسب أن الأمر ذاته ينسحب على غيرها من غرف التجارة العربية المشتركة مع دول العالم في المشارق والمغارب - إنها سوف تجعل صفقات التجارة العربية مع بريطانيا، أو البريطانية مع العالم العربي، تجري على «طريق صداقة» ناعمة كأنها مفروشة بالحرير، خالية من كل شوك، ومُسوّرة بالورود والرياحين. كلا، الواقعية هي أساس تفوّق أي عمل. والواقع يقول إن ما يمكن إنجازه وفق مبدأ «التجارة طريق الصداقة» يتوقف بالدرجة الأساسية على مدى قابلية الطرفين، العربي والبريطاني، لتقديم مصالح الشعوب قبل أي خلافات سياسية بين الحكومات. ومعروف لكل متابع كم تعصف خلافات الدول، أحياناً، بمصالح شعوبها التجارية.
ضمن هذا السياق، أعرف كم من الجهد بُذل لوضع شعار الغرفة موضع التنفيذ بحكم معايشتي - كما كثيرين غيري من زملاء وزميلات مشوار لندن الصحافي - مرحلة ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، عندما كان الراحل عبد الكريم المدرس يتولى منصب الرئيس التنفيذي - الأمين العام للغرفة. زمنذاك، كان الأصعب من مد الجسور التجارية بين بريطانيا والعرب، هو الحيلولة دون انعكاس الخلافات العربية - العربية على عمل الغرفة. اشتد الأمر خصوصاً بعدما غزا الرئيس العراقي صدام حسين جيرانه في الكويت، وبمنطق الغرور وجبروته احتل دولتهم، زاعماً أنه يحقق الوحدة معهم، فإذا الشقاق يغزو العرب أجمعين، ويقع شرخ عربي - عربي قصم ظهر الجميع، لم يفرّق بين ضفاف محيط وسواحل خليج. في أجواء كتلك، يمكن تخيّل كم بذل العراقي عبد الكريم المدرس، الحقوقي والاقتصادي والدبلوماسي، من الجهد كي تبحر بسلامة سفينة الغرفة، وسُفن العرب التجارية مع بريطانيا، وسط تلك الأنواء العاصفة. أمِن الإثم الظن باحتمال أن حال السنوات اللاحقة ليس بأفضل؟ كلا، الجواب الأرجح.
منذ عام 2007، تولت الدكتورة أفنان الشعيبي دفة وضع شعار «التجارة طريق الصداقة» موضع التطبيق. هي أول امرأة عربية تحتل كرسي الرئيس التنفيذي - الأمين العام لغرفة التجارة العربية البريطانية. من المؤكد أن المهمة ليست سهلة على الإطلاق، لكنها كذلك ليست مستحيلة أمام كفاءة المؤهل العلمي وعمق الخبرة العملية. سمتان يمكن القول إنهما متوفرتان للدكتورة أفنان الشعيبي، إذ يندرج اسمها ضمن سجل ثلاثين امرأة سعودية شكلن كوكبة من الناجحات اللاتي تقلدن مناصب مهمة في بلدهن، وفي هيئات عربية ودولية، وأخريات تفوقن في مجالات العلوم، أو فضاءات الإبداع، وقد شكل نجاحهن، في حينه، ولم يزل، الرد الواقعي على حملات إعلام غربي بالغت أحياناً في ادعاءات ظالمة تخدم أجندات محددة، إزاء تعامل المجتمع السعودي مع المرأة.
هل حققت موازين التجارة العربية مع بريطانيا تقدماً خلال السنوات العشر الأخيرة؟ سؤال سوف تصب إجابته في صالح ميزان غرفة التجارة العربية - البريطانية، ليس لأن الغرفة تلعب دور وسيط تهمه العمولة، بل لأنها أسهمت في تسهيل إجراءات وتيسير سبل. أمران ليس من غنى عنهما عندما يتعلق الأمر بتنمية التجارة بين الدول. حسناً، وفق إحصاءات هيئة التجارة والاستثمار البريطانية، سجل حجم التجارة بين بريطانيا والدول العربية خلال عام 2013 ارتفاعاً بنسبة 11 في المائة مقارنة مع العام السابق له. تقول الهيئة إن الصادرات البريطانية للعالم العربي بلغت تلك السنة أكثر من 18 مليار جنيه إسترليني، بينما استوردت بريطانيا من الدول العربية ما زادت قيمته على 17.9 مليار إسترليني. تحقيق هذا النمو فيه نصيب لغرفة التجارة العربية البريطانية يحق لها أن تحتفي به.
المتاجرة بالكلمات سهلة. كم من مؤسسات وأحزاب وحركات وتنظيمات ودول، رفعت من الشعارات أجملها أحلاماً، وأحلاها رنيناً، وأقواها طنيناً، وأعلاها صراخاً، لكنها في محك العمل والتطبيق أثبتت أن شعاراتها لم تكُ سوى خداع ذات، وبيع أوهام لغيرها، فإذا بها تنتهي إلى الفشل. طوال أربعين عاماً، قليل من الكلام صدر عن غرفة التجارة العربية البريطانية. لكن ما أنجزت من عمل، في مجالات عدة وليس تجارياً فحسب، حقيق بالاحتفال به، وتقدير جهود القائمين عليه، كلهن وكلهم أجمعين.