محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

نَكشْ عِش الدبابير!

ما يجري في مجال الإدارة يشبه أحياناً ما يحدث في عالم الحشرات. فالدبور الذي يشاع خطأ بأنه من ذكور النحل (المسالم) هو في الواقع ليس نحلة بل من غشائيات الأجنحة السامة التي تعيش في مستعمرات تفتك بكل من يحاول أن يمس أعشاشها، حسب ما أخبرني به رئيس جمعية النحالين الكويتية توفيق المشاري.
فالصراع بين الدبور والأيادي التي تمتد إلى أعشاشه مثل الصراع بين الفاسدين والشجعان الذين يطاردونهم. فالدبور، الفاسد، إن جاز التشبيه، يحارب النحل (البشر الوديعين). وإن كان يشبههم شكلاً لكنه في الحقيقة عدو يتربص بهم، ويأكل من خيرات العسل الذي ينتجونه بكدهم واجتهادهم. والدبور الفاسد أخطر من النحل؛ لأن النحل، مثل سائر الناس، إذا ما حاول أحد أن يؤذيه وهو يؤدي عمله المشروع قد يلدغه لدغة واحدة ثم تموت النحلة بعد ذلك... ربما كمداً! أما الدبور فيلدغ من يتطاول عليه مرات عدة ثم يستمر بتبجح في رحلة «الفساد».
الدبابير تتفاوت في عدوانيتها، «فدبابير الورق» كما تسميها موسوعة «ويكيهاو» لا تهاجم أحداً إلا حينما يعترضها خطر داهم. أما دبور «المعطف الأصفر» فهو لديه قرون استشعار أكبر، ربما جاءت من خبرته المتراكمة في معترك الفساد! ويفضل الأماكن المغلقة والتجاويف التي لا ينتبه إليها المارة، غير أنه شديد العدوانية. النوع الثالث هو «الزنابير» الكبيرة، فهي عريضة الوجه. ورغم أنها تحمل علامات بارزة على وجهها وصدرها تميز «فسادها» فإنها تُمارس نشاطها المعتاد غير آبهة بالآخرين، على ما يبدو.
وهناك طرق عديدة للتخلص من الدبابير؛ منها «طريقة الدخان» لخنقها، وهي الطريقة التي أشبهها بالقنابل المسيلة لدموع المتظاهرين؛ لن يوقفهم الدخان لأنهم سينصرفون لمكان آخر يمارسون فيه تخريبهم. وهناك طريقة الاجتثاث لكنها تتطلب ملابس واقية تحصن كل من قرر اجتثاث أوكارها.
ولأن الدبابير خطيرة جداً عند نكش مستعمراتها فإنه ينصح دائماً المهتمون «بعدم استخدام السُلَّم»، فقد يسقط المدير أو القائد في لحظة هجومها عليه. وهذا بالضبط ما يذكرنا باستناد القياديين الشجعان على معلومات غير دقيقة أو هشة (كالسلم) عن المجرمين، فتبدأ الحملة فلا هم اصطادوا الفاسدين ولا نظراءهم الأخطر الذين نفذوا بجلدهم.
ولأن الدبابير ينصح بمهاجمتها في «أبكر وقت ممكن» وفي أدنى لحظات نشاطها وعدوانيتها كساعات الليل، فكذلك الحال مع من خانوا الأمانة لرفع كفاءة حملة اجتثاثهم ولتقليل حجم الضرر، كتهريبهم لأموال أو طمسهم للأدلة، وذلك حتى يمكن قطع دابر الجيل الجديد الذي يحمل معه ملكته للعام المقبل. والأهم أن تقتل ملكة عش الدبابير، أو رأس الحربة، لأنها هي من تزودهم بالغذاء اللازم لممارسة شرورهم ونهب خيرات معشر النحل حول العالم.
حينما ندمر الدبابير الفاسدة لا ينبغي أن نقتل معها «النحل» البريء والشريف لأنه في تناقص متزايد، وهذه حقيقة علمية مؤلمة في عالم النحل.
ربما ينتقد البعض من يقدم على نكش «عِش الدبابير»، لكن التاريخ سيحفظ له صنيعه، خصوصاً إذا كان ذلك نهجاً دائماً ومؤسسياً صارت الأجيال المتعاقبة تشير إليه بالبنان.