خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

هرباً من الأنظمة الثورية

بعد فشل الربيع العربي و«قرف» الناس من نتائجه، أخذ القوم يشعرون بالندم ويملون مما فعلوه ويحنون للاستقرار ويفضلون الأنظمة المنتظمة والملكية. هذا ما مرت به فرنسا بعد أن سئم الفرنسيون من الأنظمة الثورية ومشكلاتها. لم يمر الأمر طويلاً فعقدوا العزم في سنة 1830 على تسليم الحكم لملك من أسرة آل بوربون، الأسرة الحاكمة تقليدياً في فرنسا آنذاك. كانت الخطوة تتجاوب مع التحولات الديمقراطية في البلاد. فاختاروا لهذا الغرض لوي فيليب ملكاً عليهم. وكان هذا رجلاً متنوراً وطريفاً بالوقت عينه. رويت عنه حكايات وطرائف كثيرة. جاءت إحداها على لسان الأديب الفرنسي الكبير، فيكتور هوغو. التقاه يوماً فقال له: يا سيد هوغو. إنهم يسيئون في الحكم عليّ. يقولون إنني لطيف وذكي. ويعني ذلك أنني ماكر خائن. وهذا يحرجني فأنا امرؤ شريف وأسير بكل بساطة سيراً مستقيماً. ومن يعرفونني يعلمون أن لي قلباً متفتحاً. الرئيس تيير قال يوماً، وهو يعمل معي في حكومتي: إننا لسنا متفقين. أنت يا مولاي لطيف ولكنني ألطف منك. فأجبته وقلت: هذا غير صحيح. والدليل على أنه غير صحيح هو أنك تقول لي ذلك.
ومن طرائف أقواله قوله إن التحالف بين إنجلترا وفرنسا مثل تحالف الإنسان والحصان. شيئان لا يفترقان. بيد أن المهم أن تعرف من منهما الإنسان ومن منهما الحصان! ولكن على أي حال، لا ينبغي أن يكون أحدهما هو الحصان دائماً.
اشتهر رئيس الوزراء أدولف تيير بالبلاغة والفصاحة وقوة الإقناع. ولكن كل براعته لم تنجِ فرنسا من مشكلاتها ونزاعاتها والوقوع في أزمة قاسية اضطرته لتقديم استقالته للملك. فأجابه قائلاً: لقد قابلت أمس المسيو مولييه وسألته ما إذا كان يرغب في تسلم الحكم بدلاً منك في هذه الظروف، هل تدري بماذا أجابني؟ قال إنه لن يفعل ذلك. أفلا يدهشك هذا الجواب؟ فأجابه أدولف تيير: إنما يدهشني هذا السؤال يا سيدي.
الفرنسيون قوم مغرمون بالتغيير مثل أطعمتهم وولائمهم. وسرعان ما وجد لوي فيليب نفسه في هذا المأزق. ملوا منه وبدأوا يغازلون نابليون الثالث ليتسلم الحكم بدلاً منه. رحل لوي فيليب إلى إنجلترا وحل ضيفاً على قصر تشرمونت. كان تغييراً هادئاً. خرج عند المساء يتفرج على حدائق القصر فلاحظ عند المساء حارساً يمسك بمصباح ويفحص الأقفال والأبواب فسأله عما يفعل، فأجابه: أريد أن أتأكد من سلامة كل شيء صيانة للتاج. فقال له لوي فيليب: آه! يا ليتني أجدت ذلك!