د. محمد الزغول
كاتب من مركز «الإمارات للسياسات»
TT

خيبة أمل في طهران

حُزنٌ عميقٌ يخيّم على طهران هذه الأيام. شعور بالخسارة والانكسار يمتدّ ليشمل الجميع؛ المسؤول والمواطن، الفقير والغني، رجل الدين وغير المؤمن. محاولة الاحتيال على العالم أخفقت. الابتسامات العريضة لم تتمكن من إخفاء عيوب الصورة الظاهرة. أمس «حزب الله» و«حرس» الولي الفقيه، عادوا مرة أخرى تحت وطأة عقوبات أميركية واسعة النطاق. عودة كاملة إلى ظروف عام 2008 الخانقة. الدائرة السوداء تعود.
عاد كثيرون في طهران إلى أرشيفهم للبحث عن ملفات «مغلقة» منذ سنتين؛ أرقام هواتف وعناوين أشخاص، وجهات لم تعد طهران تحتاجها بعد توقيع «الاتفاق» الكبير. اليوم لا بدّ من إحياء تلك الخطوط والشبكات. إدارات السجون تستعد لإخراج سماسرة النفط المهرَّب، و«عتاولة» السوق السوداء؛ مُمتهني التحايل على العقوبات. ولعلّ قراراً وشيكاً بعودتهم إلى العمل سيغفر لهم تطاولهم على بضعة مليارات نهبوها من أموال الشعب.
وبينما كبارُ القادة يتداولون بدائلَ ومقترحاتٍ وخططاً للتحايل على قوائم العقوبات الجديدة، تأتي أنباء مزعجة من الضفة الأخرى للخليج. لا قنابل نووية هناك يمكن أن تخيف أحداً. لكنّ لغةً جديدةً يتمّ تداوُلها، قد يكون لها أثرٌ أعظم من القنابل النووية في طهران. لا عمليات أمنية خاصة لاختراق الداخل الإيراني يتمّ الإعداد لها هناك، لكنّ رؤىً ومشاريع عملاقة يتمُّ طرحُها، قد تُغيُّر وجه المنطقة والعالم. وإيران ليست قادرة على القفز، لا من المنطقة ولا من العالم. المستقبل، والابتكار، والريادة، والشراكة مع القوى الحيّة. تسعُ وزيرات في حكومة شباب إماراتية للتحضير لمئوية. استعدادات لاستضافة حدث كوني بحجم «إكسبو 2020»، وتوقعات متفائلة بقدرة دولة صغيرة على إبهار العالم. أربعة مفاعلات نووية سلميّة بأقل من كلفة مفاعل إيراني واحد، وبخُمس المدّة الزمنية، ومن دون أية مشكلات مع العالم. وزارات للتسامح والسعادة والذكاء الاصطناعي، وغيرها الكثير. لغة جديدة لا يتقنها القابعون في «الثارات» التاريخية. علامات استهجان وغضب وغيرة مشروعة لدى ملايين الإيرانيين.
ليست الإمارات وحدها هي المشكلة بالنسبة إلى إيران؛ بل هناك ما هو أعظم وأجلّ؛ في السعودية حديثٌ عن بدء تحقيق رؤية استراتيجية تحمل الرقم 2030، لا يعرف المواطن الإيراني، هل عليه أن يضحك أم يبكي عندما يستحضر في الذاكرة «رؤية 2025» الإيرانية التي وُضِعت في الأرشيف، وأحالتها العقوبات الدولية، وملفات الفساد إلى رماد. قرار سعودي حازم بحسم المعركة الداخلية مع التطرف يتسبب بانكشاف استراتيجي من نوع آخر لميليشيات ورايات سوداء كثيرة، معظمها يدين بالولاء إلى طهران. مُصالحة فلسطينية تؤسس لنزع أهم «ورقة إقليمية» من يد طهران. انفتاح على العراق، ولبنان، دون أية اشتراطات طائفية، أو عناوين فرعية غير الدولة، يؤسس لسلب طهران «ورقة ادّعاء حماية الأقليات». انفتاح على روسيا، والصين، والهند لا يقلل من شأن الشراكة الاستراتيجية مع الغرب. أما «نيوم» فكانت الكلمة الأكثر وقْعاً وتأثيراً في مفردات اللغة الجديدة.
أسئلة كبيرة تتردد في طهران اليوم؛ تتساءل شابةٌ على حسابِ تواصلٍ اجتماعي تعتليه صورة لـ «تخت جمشيد» العظيم: هل يفعلها العرب؟ هل ينجحون في العبور، ونغرق نحن في عصور الظلام؟ صحفٌ حكومية تستدرك، وتستحضر من التاريخ روايات وأقاويل من الماضي السحيق. ثم ما تلبث أن تعودَ لتعتذر، وسط انزعاج واسع النطاق لمكوّنات اجتماعية محليّة. ملايين «الإيرانيين» اعتبروا مثل هذه الأوصاف إساءة عُنصرية لهم. ومرّة أخرى، حقيقةٌ مرّةٌ تفرض نفسها. عندما تكونُ جزءًا من المنطقة، فلا شك أنكَ ستتأثر بما يحدث فيها. ليس باستطاعة أحد اليوم الاختباء عن محيطه، وعن العالم.
*مركز «الإمارات للسياسات»