ميغان ماك أردل
TT

وهم التفوق العرقي

جاء عنوان مقال أخير على موقع مجلة «ذي رووت» الإلكترونية يقول: «احتجاجات الدوري الوطني لكرة القدم... دراسة نموذجية لتفوق العرق الأبيض»، الأمر الذي يثير قدراً من الإرباك إذا كنت تنظر إلى فكرة «تفوق العرق الأبيض» من زاوية نظام الفصل العنصري على غرار ما يعرف بـ«قوانين جيم كرو» المرتبطة بالفصل العنصري، واعتبار «العنصريين البيض» أشخاصاً ساخطين يركضون في الشوارع بالملاءات وأغطية الرؤوس.
إن الاستخدام الفج من جانب المجلة لعبارة «تفوق العرق الأبيض» في توصيف شيء لم يرقَ إلى مستوى الدعوة إلى حرب عرقية صار أمراً شائعاً على نحو متزايد.
ذاع استخدام هذا الاصطلاح بفضل النظرية الأكاديمية حول العرق، التي يبدو أنها قد حلت محل، وإلى حد كبير، مصطلحات سابقة مثل «العنصرية المؤسساتية» أو «العنصرية الممنهجة». والآن، غادر ذلك المصطلح برجه الأكاديمي العاجي وانتقل إلى الخطاب اليومي الدارج، ما أثار حيرة الملايين من المواطنين الأميركيين الذين اعتادوا على الاستخدام القديم والمحدد للمصطلح المذكور.
ومن السهل معرفة السبب وراء جاذبية هذا المصطلح لدى الكتّاب والأكاديميين، إذ ينضوي اصطلاح «العنصرية النظامية» على الصورة التقليدية للمكاتب وصفوف الطاولات والبُسُط ذات اللون البيج، ومصطلح «العنصرية الممنهجة»، فيشير إلى نوع من المشكلات العادية.
أما «تفوق العرق الأبيض»، من ناحية أخرى، فيسدد لكمة قوية وعميقة للنفس تجذب انتباه القارئ بالقوة.
ومع ذلك، فإن استخدام مصطلح «تفوق العرق الأبيض» بهذه الطريقة هو من قبيل الخطأ الواضح. فهو يؤدي إلى التباس في المناقشات الوطنية، وذلك لأن الأطراف المتعارضة تستخدم مصطلحاً دقيقاً بطرق متباينة، الأمر الذي يعيق مقدرتنا على مناقشة الظاهرة التي يرغب معارضو العنصرية بالأساس في مناقشتها. وفي خاتمة المطاف، إن واصلنا استخدام ذلك المصطلح على النحو الراهن، فسوف يفقد تأثيره العاطفي في الوجدان الذي منحه جاذبيته وجعله بديلاً معتبراً عن الكثير من المصطلحات التحليلية الأخرى.
وإعادة تعريف مصطلح «تفوق العرق الأبيض» هو جزء من اتجاه موسع لإعادة تعريف الألفاظ ذات المعاني الضيقة والدلالات السلبية، ثم إعادة طرحها على نحو أرحب من ذي قبل.
ولنضرب مثالاً باستخدام لفظة «العداء تجاه المرأة». والكلمة تعني من الناحية الحرفية «كراهية المرأة»، بيد أن السياسة نجحت في تحويلها إلى «الشخص الذي يعتقد أن المرأة كيان غير مكافئ للرجل من الناحيتين الاجتماعية والفكرية».
ولكن في الآونة الأخيرة، اتسع نطاق التعريف المذكور آنفاً ليشمل، على سبيل المثال، الناس الذين لا يعتقدون بأهلية المرأة للمشاركة في القتال، أو مهندسي شركة «غوغل» الذين يرون أن عدد النساء اللواتي يرغبن في وظائف «العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات» فائقة المستوى هن أقل من الرجال الراغبين في الوظائف نفسها.
فإن كنت لا تتفق، وبشدة، مع هذين الرأيين السياسيين، فمن المغري للغاية إرفاقهما باصطلاح «كراهية المرأة» الحرفيّ.
ومما يؤسف له، أنه عند استخدامك لفظة «كراهية المرأة» وفق هذه الطريقة، فإنك لا تدعو الناس أبداً على نحو جدي إلى اتباع توجهات أقل تحيزاً على أساس اعتبارات تتعلق بالجنس، وإنما في الواقع، إنك تخاطر بأن يتوقف الناس عن التعامل مع «كراهية المرأة» بجدية على أرض الواقع.
في الواقع، هذه الصورة العكسية لما وصفه ستيفن بينكر بأنه «التفريغ المجازي»، وفيه نحاول العثور على كلمات أكثر لطفاً لتوصيف شيء لا نعتقد بأنه لطيف بالأساس، ونجد أن الكلمات المستحدثة للتوصيف تستولي سريعاً على جميع الدلالات اللفظية القديمة للكلمات الأصلية. وبالتالي، تحولت لفظة «مرحاض» إلى «حمام»، ثم انتقلت دلالياً لتصير «المستراح».
ولكننا لا نزال ندرك أن ما يقبع خلف الباب هو مجرد «مرحاض»، وبصرف النظر تماماً عن الكلمات المستخدمة في تلطيف التوصيف، فإن مشاعرنا تجاه اللفظة الأصلية لا ينالها تغيير يُذكر.
وهذا هو السبب في أن محاولة تغيير مشاعر المواطن الأميركي حيال المهاجرين غير الشرعيين من خلال تغيير يطرأ على المصطلحات المستخدمة في توصيف المهاجرين غير الشرعيين من الجهود المحكوم عليها بالفشل مقدماً، وسواء كان التوصيف «الأجانب غير الشرعيين» أو «المهاجرين غير الموثقين»، فإن الحقائق السياسية لا تتبدل ولا تتغير حيالهم.
والناس الذين تساورهم المشاعر السلبية إزاء لفظة «غير شرعيين» يشعرون بالقدر نفسه من السلبية حيال «المهاجرين غير الموثقين»، ولا خلاف.
إن «التفريغ النقدي» يعمل بالطريقة ذاتها، ولكن في الاتجاه المعاكس.
يبدو أن الناشطين المعجميين يأملون في أنه من خلال استخدام كلمات قوية رنانة في توصيف مشكلات اجتماعية منتشرة، يمكنهم التعبير عن حالة السخط الأخلاقية التي تساور المجتمع حيال الرجال الذين ينتقصون من حقوق النساء في المساواة. والفكرة، بكل وضوح، هي أننا إن وضعنا صور التمييز العنصري التي يرتكبها نظام العدالة الجنائية في بلادنا على قدم المساواة مع المستوى الأخلاقي المتدني الذي نوليه للدهماء المتخلفين المروجين لفكرة الفصل العنصري، فسوف يتحول الناس إلى مهاجمة الصور الأولى بالقوة والشراسة نفسها التي يسعون بها إلى صد محاولات استعادة «قوانين جيم كرو».
وهذا من المبالغات المفرطة في تقدير قوة وتأثير الكلمات. فهناك تمييز أخلاقي صارخ لدى الناس بين «خطايا الإغفال» و«خطايا الأفعال»، وبين السياسات التي تلحق الأضرار ببعض شرائح المجتمع عن غير قصد، في خضم السعي للوصول إلى غاية أخرى، وبين السياسات التي تهدف بكل صراحة إلى الاضطهاد والقمع، وهم يميزون كذلك بين النزعات القبلية الطفيفة التي تنخرط فيها كل الجموع البشرية وبين الدعوة الواضحة للإبادة الجماعية والتطهير العرقي. ومن غير المرجح بحال النجاح في محو هذه الفروق الأخلاقية عن أذهان الناس بمجرد إعادة صياغة القواميس والمعاجم.
خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016، وجدت نفسي في مواجهة مشكلة غريبة، وهي أن العديد من قرائي لم يأخذوني على محمل الجدية عندما أشرت إلى أن دونالد ترمب، إن لم يكن من العنصريين الصرحاء في حد ذاته، فهو على أدنى تقدير ممن يميلون إلى استرضاء العنصريين الحقيقيين بيننا.
ولقد أجابني قرائي المحافظون بقولهم، إن «وسائل الإعلام تصم كل عضو جمهوري بالعنصرية. لقد وصفوا ميت رومني بذلك، كما قالوها عن جورج بوش كذلك، فلماذا يختلف دونالد ترمب هذه المرة عنهم؟».
لقد كانوا على حق. لقد وجه كتّاب آخرون الاتهام بالعنصرية وموالاة العنصريين ضد رومني وبوش. ولقد أشرت إلى أن نزعات ترمب العنصرية كانت مختلفة عن أي اتهام وجهناه ضد المرشحين الجمهوريين السابقين للانتخابات الرئاسية. ولكن هذه الاتهامات لم تسفر عن أي نتيجة إيجابية.
لقد اعتادت وسائل الإعلام رمي مختلف أطياف الجمهوريين بتهم وتسميات فضفاضة مثل «العنصرية» التي صارت غير ذات جدوى عند ظهور التهديد الحقيقي. لقد واصلنا الصياح الأجوف دونما جدوى أثناء ما كان دونالد ترمب يتيه فخراً مع صقور العنصريين البيض، الأمر الذي أحجمت كل الأحزاب الرئيسية عن الانزلاق فيه على مدى عقود مضت.
وفي واقع الأمر، يبدو الأمر لي أن واضعي النظريات المرتبطة بالعرق قد تخيروا مصطلح «تفوق العرق الأبيض» على وجه الخصوص، بسبب أن التوسع المفرط في استخدام لفظ «العنصرية» قد نزع عنها تأثيرها الفعال في حشد السخط الأخلاقي المنشود. ولا يزال لذلك المصطلح قدره من التأثير العاطفي في الوجدان، ولكن أدنى مما كان عليه الأمر في السابق، وذلك لأنه يحمل تعريفاً فضفاضاً ومهلهلاً الآن. بيد أن اصطلاح «تفوق العرق الأبيض» من ناحية أخرى، لا يزال مفهوماً ومُدركاً وبكل وضوح فيما وراء الغيمات الضبابية الآنية.
ولكن إن سحبنا هذا المصطلح بصورة عشوائية على كل شيء حولنا بدءاً من ريتشارد سبنسر المؤيد القومي المتطرف لتفوق العرق الأبيض، إلى أي شخص يعتقد بلزوم وقوف لاعبي كرة القدم حال عزف النشيد الوطني... فإلى أي مدى يمكن اعتبار مصطلح «تفوق العرق الأبيض» خارج حدود الاعتبارات المقبولة؟ وماذا يمكن أن يحدث إذا ما بدأ الأشخاص المتهمون بالعنصرية في التنصل من هذه الصفة ودلالاتها - أو ربما الأسوأ من ذلك، تبني الصفة واعتمادها تمام الاعتماد؟ وعندما يبرز بين أظهرنا ريتشارد سبنسر «الجديد»، فمَن بمقدوره إبلاغ الآخرين عن مدى خطورته ليأخذوا حذرهم؟

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»