ميغان أوسوليفان
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

خطة ترمب تجاه إيران تفعل أكثر من اللازم

يشعر مستشارو الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالقلق إزاء التأكيد على أن خطاب يوم الجمعة الماضي بشأن السياسة الأميركية تجاه إيران كان محاولة لوضع استراتيجية شاملة للتعامل مع السلوك المؤذي الذي ينتهجه النظام الإيراني، وليس فقط إعلاناً عن رفض الرئيس التصديق على التزام إيران بالاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه عام 2015. شعورهم بالإحباط نتيجة تركيز العناوين الرئيسية على التفاصيل الصغيرة غير المهمة وعدم رؤية الصورة الكبيرة أمر مفهوم بالنظر إلى الحاجة إلى سياسة تجاه إيران، وليس استراتيجية تجاه إيران النووية فحسب، وهو النهج الذي اتبعته إدارة باراك أوباما.
مع ذلك ليس لمستشاري ترمب سوى الرئيس، لا وسائل الإعلام، لتحميله المسؤولية. لطالما كان الاتفاق النووي الإيراني النقطة المحورية لخطاب الرئيس، وكان الموضوع الرئيسي للخطاب. كذلك كان الامتناع عن التصديق على التزام إيران بالاتفاق من الأفعال الملموسة القليلة التي حددها وأوضحها الرئيس.
التركيز على عدم التصديق على التزام إيران بالاتفاق النووي، الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة والدول الخمس الكبرى من جانب وبين إيران من جانب آخر، ليس فقط تشتيتاً للانتباه بعيداً عن الصورة الكبيرة، وهي النشاط الإيراني الهادف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، بل هو تقويض للجهود الأميركية لتنفيذ استراتيجية تستهدف الحد من النفوذ الإيراني. في الوقت الذي ترتفع فيه تكلفة هذا القرار، لا يأتي بأي منافع واضحة.
يبدو أن الدافع الرئيسي وراء هذا الامتناع عن التصديق على التزام إيران هو تلبية حاجة لها الأولوية بالنسبة إلى الرئاسة؛ فكما يعرف العالم، في الوقت الذي أكدت فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وغيرها من المؤسسات، عدم التزام إيران بالاتفاق النووي، لا يشعر ترمب بالارتياح تجاه التصديق على ذلك كل 90 يوماً كما يوجب الكونغرس. يبدو أن رفضه القيام بذلك اليوم يبعث قدرا من الرضا في نفسه كرئيس، بالنظر إلى اعتباره شروط الاتفاق غير متكافئة. للرئيس وجهة نظر، لكن الامتناع عن التصديق لا علاقة له بأي وجه من الأوجه بباقي الاستراتيجية الأكثر شمولا، حيث لا تتطلب أي من الخطوات التي تم الحديث عنها في الخطاب من الرئيس توضيح ذلك قبل اتخاذها.
على العكس من ذلك، سوف يجعل الامتناع عن التصديق على التزام إيران من الأصعب تحقيق الأهداف المعلنة، وهي ردع إيران ومنعها من ممارسة أنشطة مؤذية في المنطقة من سوريا إلى العراق إلى اليمن. قليل هم من سيفهمون، سواء كانوا أفراداً أو حكومات، الفرق بين قرار الرئيس بعدم التصديق على التزام إيران بالاتفاق، والتراجع الأميركي الكامل عن دعم الاتفاق. كم عدد الأميركيين أو غيرهم الذين يعلمون الفرق بين قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني، وخطة العمل الشاملة المشتركة؟ الأول هو القانون الأميركي الذي يحتاج إلى تصديق، أما الثاني فهو الاتفاق الدولي الذي تم التوصل إليه مع إيران، ومشاركة الولايات المتحدة فيه لا تمت بصلة مباشرة للتصديق على الاتفاق.
سوف يساعد هذا التعقيد في أن يبدو الرئيس موفياً بأحد وعوده الانتخابية وهي «تمزيق» الاتفاق. مع ذلك سوف يتضمن جانبا سلبيا، وهو إرباك الحلفاء وجعل من الصعب العمل معهم باتجاه ممارسة المزيد من الضغط على إيران خارج إطار الاتفاقية. إلى جانب ذلك فإن هذا يصبّ في مصلحة الحملة الدعائية الإيرانية، ويبدو أنه يعزز ما يردده المرشد الأعلى علي خامنئي من أن الولايات المتحدة غير جديرة بالثقة، وتسعى بالأساس إلى تغيير النظام. كذلك توجد عواقب لخطاب ترمب الحاد داخل المجتمع الإيراني، حيث يضعف موقف مؤيدي الاتفاق داخل إيران، في حين يزيد موقف المعارضين له قوة. ويأتي على رأس قائمة هؤلاء المعارضين الحرس الثوري الإيراني المسؤول عن أعمال إيران الرامية إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. لذا يبدو أن تعزيز قوة الطرف الفاعل الأساسي الذي تريد إضعافه نهج غير سليم.
أخيراً إذا كان رد حشرات الكونغرس هو رفض عدم التصديق على التزام إيران، كما هو مرجح، فقد يجد ترمب نفسه في موقف ضعف لا قوة، ومن المؤكد أنه لا يمكن لرئيس أن يرغب في التصريح بأن الاتفاق، الذي شاركت فيه حكومته، يتضمن عيوبا وضد المصالح الأميركية دون أن يحدث أي شيء. سوف يجعل هذا الرئيس يبدو كأنه رجل أقوال لا أفعال.
كانت نقطة الانطلاق في خطاب يوم الجمعة صحيحة، وهي حاجة الولايات المتحدة إلى استراتيجية أكثر شمولا تجاه إيران؛ استراتيجية تتناول سلوكها الإشكالي في المنطقة. مع ذلك كان النهج الأفضل يتضمن عناصر مختلفة تماماً.
أولا، ما كان ينبغي أن يتم التركيز على الاتفاق النووي، بل كان من المفترض أن يتم وضعه في السياق المناسب: اتفاق تعاقدي بشأن السلوك الإشكالي تحديداً (الملف النووي)، وليس اتفاقا تحوليا لا يمكن اعتباره سوى اتفاق فاشل في ضوء استمرار الممارسات الإيرانية المؤذية على الأصعدة الأخرى.
ثانياً، كان من الممكن أن يخفف ترمب من حدة شعوره بعدم الارتياح من الحاجة إلى تكرار التصديق على الاتفاق من خلال التعاون مع الكونغرس للتوصل إلى طريقة يمكن خلالها تفويض هذه المسؤولية إلى شخص آخر في إدارته. ولن يكون ذلك أمراً غير اعتيادي، ففي ظروف أخرى كان وزير الخارجية، أو وزير آخر، هو من يقوم بالتصديق الذي كان يطلبه المشرعون. وقد أشار الرئيس بالفعل إلى هذه الإمكانية حين قال: «يوجب القانون على الرئيس أو من يمثله التصديق على (سلامة) تعليق العقوبات بموجب الاتفاق، وكذلك الإجراءات الأخرى التي اتخذتها إيران من أجل إنهاء البرنامج الإيراني غير القانوني وغير المشروع».
ثالثاً، كان من المفترض أن تكون الإجراءات الملموسة لزيادة الضغط على إيران للسيطرة على تدخلها في مناطق أخرى من الشرق الأوسط هي حجر الزاوية في الاستراتيجية، التي تم الإعلان عنها يوم الجمعة، بدلا من أن تكون هامشية. كانت مثل تلك الخطوات متوقعة بدرجة كبيرة، ولا تعد مخالفة للاتفاق النووي، إلا إذا كررت العقوبات كنتيجة للتوقيع عليه. وتعد الخطوات الرامية إلى الحد من تمويل الجماعات الإرهابية، وفرض عقوبات على الحرس الثوري الإيراني عادلة حتى مع الالتزام بالاتفاق. الأمر الملحوظ، على ما به من تعقيد، هو أنه قد يتضمن نهجاً أكثر شدة في بعض الإجراءات العسكرية، حيث تعلمنا الخبرات السابقة أن الحرس الثوري الإيراني يقلّص نشاطه حين يتم مواجهته مواجهة مباشرة، كما فعلت الولايات المتحدة عام 2007 في إطار استراتيجية زيادة عدد القوات في العراق.
رابعاً، لو كان الرئيس قد التزم الصمت تجاه التصديق على التزام إيران بالاتفاق، لكانت محاولات الكونغرس، مثل تلك التي يقودها بوب كوركر، عضو مجلس الشيوخ، من أجل وضع شروط يفرض المشرعون بموجبها عقوبات جديدة، قد منحت إدارة ترمب بعض الدعم. وكما كان الأمر في حالات أخرى، من ليبيا إلى الصين، كان يمكن للإدارة أن تعزز جهودها للحصول على قدر أكبر من التعاون من الحلفاء معززة بفكرة كونها تحت ضغط كبير من الكونغرس لتحصل على نتائج ملموسة، لكن عوضاً عن ذلك لا تبدو مبادرات الكونغرس الحالية سوى محاولات لتلافي واتقاء الممارسات المدمرة للإدارة، ومن غير المرجح أن تساعد الرئيس في الحصول على المزيد من التعاون مع الحلفاء.
أخيراً، سوف يكون من الضروري أن تتناول استراتيجية راسخة متسقة تجاه إيران بطبيعة الحال طموحات إيران ومساعيها النووية، لكنها سوف تركز على إعادة التفاوض على عناصر الاتفاق وبنوده في وضعه الحالي، وقد تغير سياسة أميركية شاملة اتجاه الدفة نحو التركيز على ما يحدث عندما تبدأ صلاحية عناصر الاتفاق في الانتهاء. هذه هي الطريقة الوحيدة لتناول السؤال الحقيقي وهو: ما هي القيود التي ستظل مفروضة على إيران بعد سنوات.
- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»