خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

حكايات من التراث الشعبي

الأدب العربي والفولكلور الشعبي حاشد بحكايات أهل العمائم وتراثهم. قلما يوجد بلد إسلامي دون شيء من حكاياتهم، ناهيك عن وصاياهم وتوجيهاتهم. ومن المعتاد أن يعطي الجمهور الكثير من الاحترام والولاء، بل والتعظيم لهم. يصدق ذلك بصورة خاصة على البلدان المتخلفة، حيث يصبح الرجل المعمم حجة في المعرفة والدراية في الشؤون الدينية والدنيوية يلجأ الجمهور إليه في كل صغيرة وكبيرة. وكما قلت، كثيراً ما ترتبت طرائف وحكايات مؤنسة يكون بطلها الرجل المعمم.
من أطرف ما وردنا من مصر من هذا القبيل حكاية الشيخ عبد العزيز البشري والمرأة الشعبية الأمية. وردتها رسالة من ابنها الجندي في الصعيد، وتحيرت في قراءتها. خرجت بها تبحث عن متعلم يقرأها لها. صادفت الشيخ البشري في طريقها وأعجبتها عمامته الكبيرة. فأعطته الرسالة ليقرأها لها. وكانت رسالة ملخبطة تماماً من كتابة جندي بسيط أمي. نظر فيها الشيخ وتمعن فيها ولم يستطع أن يقرأها ويفتح رموزها. أعاد المكتوب لها معتذراً وقال: «آسف يا ولية. لا أقدر أن أقرأ هذا الخط. تسامحيني»! نظرت في وجهه وتطلعت لعمامته وقالت: «هه! شيخ وكل هالعمة على راسك وما تقدرش تقرا سطرين جواب»!
نزع الشيخ الفاضل عمامته، ووضعها على رأسها، ثم سلمها الرسالة، وقال لها: «إه! ياالله تفضلي اقريها».
ومن العراق، سمعت بهذه الحكاية المتعلقة بالشيخ أمجد الزهاوي، وكان من أشهر الفقهاء في الدين والشريعة. كان في طريقه للبيت، وصادفته هذه المرأة في أسوأ حال من الاضطراب والأسى. لا شك أنها نظرت لعمامته وتوجست تحتها من يستطيع مساعدتها.
كانت الشرطة قد اعتقلت ابنها مع شلة من الشيوعيين. قالت لنفسها لا شك أن هذا الرجل المعمم يستطيع أن يتكلم مع المسؤولين وينقذ ابنها. حدثته في الأمر وهي تبكي. «أرجوك كلمهم. يسمعون كلامك». لم يستطع غير أن يرق لها ويحاول مساعدتها. «أتكلم مع من»؟ خطر له وسألها. لم تعرف من ولا هو عرف من. كان العراق مملكة حديثة العهد في أوائل الثلاثينات. أخيراً قالت له: «تكلم مع الملك».
فكرة معقولة. فتح التليفون على البلاط، وقال «أعطوني أتكلم مع فيصل أفندي»!
يظهر أن عامل التليفون اعتبر أن صاحب النداء لا بد أن يكون شخصية كبيرة، بحيث يطلق على جلالة الملك مجرد «أفندي». فحول النداء للملك مباشرة. واستمع الملك للشيخ. «حسناً وما هو اسم هذا الولد لآمرهم بإطلاق سراحه؟» أجابه الشيخ «والله ما أعرف. ما سألت السيدة عن اسمه». أجابه الملك: «لكن هناك أكثر من عشرين واحد معتقل معه».
«عشرين شاب تقول فيصل أفندي؟ وعلى إيش انتو تحبسون كل هالشباب؟ فكوهم وخلوهم يرجعون لمدارسهم».
ويظهر أن الملك فيصل الأول وجد بعض الحكمة في كلام الشيخ، فأمر بإطلاق سراح كافة المعتقلين ومعهم ابن المرأة المجهولة.