حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الصلح الفلسطيني... الجديد!

وأخيراً تصالح الفلسطينيون. تصالحت فتح وحماس. ولا أعلم للمرة الكم ولكن - المهم أيضاً - تصالحا. وضعت مصر كل ثقلها السياسي وضغطت على الطرفين للوصول إلى تسوية كاملة لكل المشكلات. فيضع الجميع يده على قلبه خوفاً من فشل هذا الاتفاق كما فشلت من قبله كثير من الاتفاقات التي كانت تسعى للصلح.
حال الاقتتال الفلسطيني البيني هي الصورة الحزينة التي وصلت إليها حال أهم قضية وأنبل قضية في العالم العربي، فبدل الحديث عن الخلاص من الاحتلال تحول الحديث إلى محاولة إيجاد صلح سياسي بين القوى الفلسطينية المتقاتلة. لا أعلم أحداً من الممكن أن يقدر ويتخيل حجم الألم والمعاناة التي يعيشها الفلسطيني الذي يتحمل الظلم العظيم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ولكن أيضاً من الضروري التذكير هنا بالأخطاء السياسية التي ارتكبها بعض الزعامات الفلسطينية عبر الزمن وكلفت القضية الفلسطينية أثماناً باهظة. بدأت هذه الأخطاء العظيمة منذ خطيئة أيلول الأسود ومحاولة الانقلاب على نظام الحكم في الأردن، ثم كانت الحماقات الكبرى في لبنان، التي كانت من أسباب اندلاع الحرب الأهلية، وبعد ذلك الارتماء في أحضان نظام الأسد (وهو النظام المجرم الذي قتل من الفلسطينيين أكثر من إسرائيل وذلك في حروب المخيمات في لبنان)، ولكن لم تجرؤ القيادة الفلسطينية أن تروج لذلك الأمر واكتفت فقط بالتنديد بمجزرة صبرا وشاتيلا واتهام إسرائيل والكتائب اللبنانية، وبعد ذلك ورغم هذا التاريخ الأسود لنظام الأسد وحلفائه يواصل الفلسطيني السياسي الاستمرار في أخطائه فتتحد حماس مع «حزب الله» وإيران وهم من حلفاء الأسد وكانوا يقتلون الفلسطينيين في مخيماتهم.
أي هراء هذا! واصلت حماس حماقاتها السياسية وتعاونت مع نظام الانقلاب في قطر لتكون أداة له وتعادي الحكومة المصرية التي – تاريخياً - قدمت للقضية الفلسطينية ما لم تقدمه أي دولة غيرها، بل لقد أصيب وقتل من جنودها عبر السنوات في معارك فلسطين أكثر من تعداد قطر نفسها. ولم تكتفِ حماس بتلك الأخطاء السياسية التي ذكرت ولكنها تعاملت مع فصائل إرهابية بشكل صريح لقتل الجنود المصريين في سيناء وتسريب السلاح لهم.
عبر السنوات الماضية كانت بعض الفصائل الفلسطينية أدوات في أيدي حكام وأنظمة مجنونة؛ تارة القذافي وتارة الأسد وتارة صدام حسين، وظفت بعض الفصائل لتنفيذ عمليات أساءت للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني أكبر الإساءة.
وإذا كان إلى اليوم يروج للشعب الفلسطيني أن قطر والأسد وحسن نصر الله وإيران هم حلفاؤها، وأن مصر والسعودية والإمارات هم أعداؤها، فإن في ذلك مشكلة وتوجيهاً غير بريء. ولكن الواضح أن اليوم أكبر عدو للقضية الفلسطينية هو الحماقة السياسية الفلسطينية التي كلفت أنبل قضية أغلى الأثمان.
كما سردت من قبل لا يمكن لأحد أن يتصور حجم المعاناة وحجم الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني العظيم تحت احتلال غاشم وظالم ودموي، ولكن هناك مسؤولية أخلاقية وأدبية وإنسانية على السياسي الفلسطيني أن يتحملها ويعترف بأنه أصبح مساهماً بشكل واضح وعملي في مأساة الشعب الفلسطيني، وأنه لم يعد من المقنع بعد اليوم إلقاء اللوم على الغير، فقد باتت تلك المسألة واضحة كل الوضوح.
لعل في هذا الصلح الأخير بين الفصائل الفلسطينية تكون فرصة أخيرة لأن الكيل قد فاض وإذا لم يعِ السياسي الفلسطيني مصلحته وأولوياته بشكل حقيقي فلا يمكن أن ينتظر من غيره ذلك.