مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

هل كتب «مام جلال» ذكرياته؟

بعد عقود كلها قتال، عسكري وسياسي، والأخيرة أشرس، رحل الزعيم العراقي الكردي، أو الكردي العراقي، جلال طالباني عن هذه الفانية.
هذا الزعيم القبلي السياسي، سليل العشيرة الطالبانية المؤثرة، سيرة من سير التاريخ الحي، وله أوليات كثيرة، منها أنه أول رئيس كردي، يعي قوميته الكردية ومسيّس بها، يلي رئاسة الجمهورية العراقية.
مثّل مع الزعيم الكبير، رئيس إقليم كردستان، ثنائية مثيرة في الحركة الكردية العراقية، وغير العراقية.
كان «مام جلال» أقرب للجار الإيراني، وكان مسعود أبعد عن الإيرانيين، ويعيد البعض ذلك، مع الأسباب السياسية، إلى قرب السليمانية، معقل حزب طالباني، الاتحاد، إلى إيران، جغرافياً، ويعيده آخرون، إلى تباين ثقافي ومزاج طرقي، صوفي مختلف بين النقشبندية والقادرية، وطريق الزعامة الاجتماعية الكردية، يمر عبر الممر الصوفي التقليدي.
رحل جلال طالباني، المعروف بظرفه ودهائه، بعد سنين عاصفات، حتى يوم رحيله، بعد الحرب التي دقت طبولها بين بغداد، الشيعية هذه المرة، وأربيل على وقع الاستفتاء الاستقلالي الكبير.
تذكرت بعد وفاة مام جلال، خبرا نشر في مارس (آذار) 2009 مفاده أن الرئيس العراقي جلال طالباني قال، حسب وكالة «مهر آباد» الإيرانية: «أنا لا أخطط للاستمرار رئيساً. نهاية هذا العام ستنتهي ولايتي وآمل في أن أتقاعد. سأعود إلى بيتي وسيكون لدي الوقت لكتابة مذكراتي».
وكتبت حينها متمنيا لو تفرغ جلال لهذا الأمر الجليل، وكيف أن ذلك سينير كثيرا ظلمات الجهل السياسي لدى المتابع العربي والكردي عن التاريخ.
لست أدري هل وجد مام جلال الوقت قبل مرضه 2012 لكتابة وعده أم لا.
ساسة المنطقة فقراء في كتابة المذكرات وتنوير السلف بما فعله الخلف، وفن كتابة المذكرات كما قيل من قبل هو فن «دخيل» على الثقافة العربية وشبه العربية، لذلك ظلت مذكرات قليلة تصنف ضمن المعايير الغربية، ومنها مذكرات سعد زغلول، السياسي المصري الأشهر، قبل عبد الناصر، كتب عنه المؤرخ المصري عبد العظيم رمضان سلسلة عن سيرته بدأت منذ عام 1987 وصدرت في عدة أجزاء.
تُعتبر مذكرات زغلول من أهم المذكرات السياسية لكونها مذكرات كتبها زغلول بشكل شبه يومي ولاستخدامه الشخصي، وليست للنشر، وبالتالي فهي ليست «ذكريات»، أي مثل تلك التي كتبها معظم الساسة العرب بعد انتهاء الحدث وبأعصاب باردة. لم يستنكف عن أن يكتب فيها عن أزماته المالية، وخلافاته الزوجية، وحتى لعبه القمار «محمد عفيفي مجلة المجلة - أغسطس (آب) – 2007».
حينها كتبت: «سيدي الرئيس جلال طالباني، أتمنى أن تفي بوعدك وتكتب مذكراتك، بكل ما يمكنك، من الصدق والوضوح، لعلك بذلك تسنّ سنة حسنة للمترددين من السياسيين».
رحمه الله.
[email protected]