زينب توفيقي
بروفيسورة مساعدة بمدرسة علوم المعلومات والمكتبات بجامعة «نورث كارولينا» الأميركية. تنشر مقالاتها بموجب شراكة النشر المتزامن بين «الشرق الأوسط» وخدمة «نيويورك تايمز».
TT

دفاع زوكربيرغ غير المنطقي عن «فيسبوك»

في رده على التغريدة التي أطلقها الرئيس ترمب هذا الأسبوع حول أن «(فيسبوك) كان دوماً مناهضاً لترمب»، دافع مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لـ«فيسبوك»، عن الشركة بالإشارة إلى أن الموقع لم يسلم من انتقادات معارضي ترمب أيضاً؛ ويتهمون الموقع بأنه عاون ترمب. وأعرب زوكربيرغ عن اعتقاده بأنه عندما يكون الجميع مستائين منك، فإن هذا يشير إلى أنك حتماً تسير في الطريق الصحيحة.
بيد أن هذه الحجة تبدو مجافية للمنطق.
والسؤال هنا: هل تشعر بالضيق إزاء الأخبار الزائفة وحملات التضليل الممنهجة، و«النقاط المظلمة» في «فيسبوك»، (الإعلانات الموجهة إلى فئة محدودة للغاية من المستخدمين ولا تظهر للجميع)، والتي تستهدف الأميركيين أصحاب الأصول الأفريقية لتثبيطهم عن المشاركة في التصويت؟ لا بد أنك واحد من الناس الذين يشعرون بـ«الضيق إزاء الأفكار» التي يختلفون معها.
هل يخالجك التوتر عندما يطرح عملاء لقوة أجنبية أنفسهم عبر الإنترنت بوصفهم أميركيين مسلمين وينشرون محتوى تحريضياً يمكن لأتباع اليمين المتطرف الاستشهاد به على أنه دليل على أن جميع الأميركيين المسلمين يتعاطفون مع الجماعات الإرهابية مثل تنظيم داعش؟ يبدو أنك عاجز عن تحمل مشقة خوض جدال صحي. هل يساورك الضيق من أن عناصر روسية اشترت إعلانات ترمي للتأثير على توجهات التصويت داخل الولايات الحاسمة، وذلك بهدف غرس بذور الشقاق السياسي أثناء الحملة الانتخابية في عام 2016، وأن الأمر استغرق 8 أشهر بعد الانتخابات لكشف النقاب عن ذلك؟ حسناً، يبدو أن سوق الأفكار لا تلائم الجميع.
في الواقع، يذكرنا دفاع زوكربيرغ غير المنطقي عن إخفاق «فيسبوك» خلال الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2016، بحالة التفاوت الهيكلي التي يشهدها المسرح السياسي الأميركي. ورغم أن التيار الرئيسي من وسائل الإعلام الإخبارية يستعين بأعداد كبيرة من الليبراليين؛ الأمر الذي يخلق بعض التشوهات الممنهجة في التغطية (على سبيل المثال، ثمة ميل لتجاهل تأثير السياسات التجارية على العمال أصحاب الدخول المنخفضة والمحنة التي يعايشها الأميركيون بالمناطق الريفية)، فإن الانحياز القائم على الصعيد الرقمي يختلف على نحو هيكلي عن الانحياز السائد بوسائل الإعلام التقليدية، والواضح أنه أكثر تعقيداً عما يعتقده كثير من المبرمجين.
وداخل منصة مثل «فيسبوك» تعتمد على التقنيات الآلية في الجزء الأكبر منها، فإن الأهمية الكبرى تكمن ليس في المعتقدات السياسية لموظفيها، وإنما في الهياكل والحسابات الخوارزمية والدوافع التي يقرونها، وكذلك نمط الإشراف الذي يمارسونه لمواجهة جهود الخداع والتضليل والتدخل غير القانوني في شؤون الغير. والحقيقة المؤسفة هنا أنه بالنظر إلى هذه العناصر، فإنه يتضح أن «فيسبوك» جعل من السهل على آخرين تحويله إلى سلاح لنشر معلومات مضللة ومحتوى زائف. والمحزن أن هذا النموذج التجاري يُدِرّ في الوقت ذاته أرباحاً كبيرة، خصوصاً أثناء الانتخابات.
من ناحيتها، وصفت شيريل ساندبيرغ، رئيسة شؤون التشغيل لدى «فيسبوك»، انتخابات عام 2016 بأنها «صفقة كبرى من حيث إنفاقات الإعلانات» بالنسبة للشركة، وكان هذا صحيحاً بالفعل. ومن غير المثير للدهشة تعرض «فيسبوك» لتفحص متزايد في الفترة الأخيرة.
ومع هذا، فإنه مع ظهور أول مؤشر على احتمال تحرك «فيسبوك»، بدافع من الضغوط عليه، نحو إقرار، على الأقل، بعض الرقابة المقبولة على المحتوى (مثلما حدث مؤخراً أثناء الانتخابات الألمانية والفرنسية، عندما عمد الموقع إلى إلغاء أعداد كبيرة من الحسابات المزيفة)، تسارع جماعات وسياسيو اليمين إلى مهاجمة «فيسبوك» واتهامه بالتحيز، وذلك لأن «فيسبوك» يميل للاستجابة لمثل هذه الضغوط على النحو ذاته الذي تستجيب به وسائل الإعلام التقليدية؛ من خلال الاختباء خلف حجج واهية من عينة أن «لكل قضية وجهين».
وقد جرى استغلال هذه الاستراتيجية اليمينية للضغط على «فيسبوك» منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية. على سبيل المثال، جرى كشف النقاب في أبريل (نيسان) 2016 عن أن «فيسبوك» شرع في الاستعانة بفريق صغير من المتعاقدين للتحقق من صحة الموضوعات الرائجة عبر الموقع وتوفير مستوى من السيطرة على الجودة عبر سبل عدة؛ منها التخلص من الأخبار الزائفة. وخرج علينا مصدر من داخل هذا الفريق ادعى أنهم فرضوا رقابة على محتويات تنتمي لتيار اليمين، وسرعان ما اشتعلت ثورة غضب محافظة بقيادة منظمات مثل «بريتبارت». واستجاب زوكربيرغ بالمسارعة إلى عقد اجتماع مع شخصيات إعلامية يمينية مشهورة وعناصر محافظة بارزة أخرى، اعتذر خلاله عن هذه التصريحات، وأكد لهم أن الموقع غير متحيز ضدهم.
وأنهى «فيسبوك» تعاقده مع هذا الفريق الذي كان عدد أفراده قليلاً للغاية بالفعل على نحو لا يسمح بممارسة أي سيطرة حقيقية على الجودة. والسؤال هنا: ما الذي فعله «فيسبوك» إذن للتصدي للتنامي المستمر في حجم ونطاق حملات المعلومات المضللة والأخبار الزائفة، بل وتدخل عناصر تنتمي لدولة أجنبية عبر الموقع على امتداد الشهور السابقة لعقد الانتخابات؟ من الواضح أنه لم يفعل ما يكفي، والمؤكد أن السبب خوفه من التعرض من جديد لاتهامات بالتحيز.
في الحقيقة، بدا سيل المعلومات المضللة والأخبار الزائفة التي اجتاحت الموقع، واضحاً حتى للمستخدمين العاديين. وتضمنت بعض هذه المواد مزاعم صارخة بخصوص هيلاري كلينتون، مثل أنها متورطة في قتل عملاء يتبعون مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، وكذلك ادعاءات لا أساس لها حول السماح لملايين المهاجرين غير الموثقين بالإدلاء بأصواتهم على نحو غير قانوني.
في أعقاب الانتخابات، وصف زوكربيرغ التلميحات إلى أن حملات المعلومات المضللة لعبت دوراً مهماً في الانتخابات، بأنها «فكرة مجنونة». إلا أنه هذا الأسبوع، تراجع عن هذا التصريح باعتباره ينطوي على رفض مبالغ فيه لوجهات النظر المغايرة. ومع هذا، ظلت تصريحاته الأخيرة تحمل هذا الرفض الواسع لأمثالنا الذين يشعرون بالقلق حيال حملات المعلومات المضللة والخداع عبر الإنترنت، واصفة إياهم بأنهم يرغبون في فرض رقابة متشددة على «الأفكار والمحتوى».
من ناحية أخرى، فإنه بالنسبة لمن يبدون تسامحاً إزاء مجموعة واسعة من الأفكار والحجج المتنوعة، لكن لا يقبلون بأن يكون للخداع والمعلومات المضللة مثل هذا الحضور السهل والقوي داخل المجتمع، لا تبعث تصريحات زوكربيرغ الأخيرة على الشعور بالأمل. في الواقع يتعين على جميع الأطياف السياسية الاتفاق على أن الحيلولة دون السماح للأخبار الكاذبة بالانتشار بهذه السهولة وجني هذا القدر الضخم من الأرباح، أمر جيد لنا جميعاً، خصوصاً أن الأخبار الزائفة ليست بالضرورة ظاهرة يمينية.
*بروفسورة مساعدة بمدرسة علوم المعلومات والمكتبات بجامعة نورث كارولينا
* خدمة «نيويورك تايمز»