حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

السعودية بالألوان!

اجتمعت بالصدفة البحتة في إحدى صالات الانتظار بأحد مطارات السعودية منذ أيام برجل أعمال لم ألتقه منذ فترة طويلة، وكان معنا داعية معروف وشاب في مقتبل العمر. ودار حديث بيننا عن القرارات والتطورات المتسارعة والمبهجة التي تشهدها السعودية مؤخراً. تخطينا في الحديث تعبيرات التعجب والدهشة مما حصل وردود الفعل الهائلة عليه.
سأل أحدهما، ألا تخشون التغيير؟ قلت له: هل هو تغيير أم إصلاح مسار؟ السعودية قولبت نفسها في إطار مقيد قسّم المجتمع إلى طرفين؛ أبيض وأسود دون الاعتراف بأن المجتمعات الحية فيها درجات من الألوان الغنية المختلفة، وذلك بحسب قدرتها على قبول ثراء التنوع فيها، واستغلاله بشكل إيجابي والبناء عليه. هناك من يخشى ويهاب من تصور ذلك أو من مجرد تخيل ذلك، لأنه يريد أن يرى الكل على نفس شاكلته، ولذلك فهو يعتبر المختلف عنه معادياً له.
مجتمعات العالم الجديد من أميركا إلى سنغافورة، أدركت أن قوتها الناعمة الحقيقية هي تماماً ما تكون باستغلال مواردها البشرية الثرية والمتنوعة، وهي الفكرة التي حققت لزعيم سنغافورة الفذ وباني نهضتها الانتقال ببلاده إلى مصاف دول العالم الأولى كما وعد، وأنجز وعده بتفوق وتميز استثنائيين.
السعودية بقراراتها الأخيرة هذه تصحح مساراً عطل المسيرة، وأدخل عليها الكثير من المسائل المعقدة التي ولدت مناخاً مشحوناً انشغل بمعارك جانبية على حساب التنمية وأولويات أهم بكثير. ما حصل أخيراً ليس فيه غالب ومغلوب، إنما هو نضوج ووعي مجتمعي، أدركه الحكماء في البلاد، وقرروا المضي قدماً، ووسعوا الدائرة لتستوعب الجميع من دون أي لغة إقصائية ولا تهم تخوينية.
كانت حقبة مزعجة، انشغل فيها المجتمع بتصنيف بعضه البعض، وبدأت مفردات تكفيرية وتخوينية تحت مظلات «الليبرالية» و«العلمانية» و«التغريب»، وغيرها من التهم المعدة سلفاً التي كانت توزع بالصوت والصورة والكلمة.
السعودية اليوم اختارت طريقاً للمستقبل بتركيز شديد عليه؛ قلبت تماماً صفحة الأمس وطوت أوراقها، فهي هدر للوقت والأعصاب ومعارك طواحين الهواء وعطلت البلاد، وأشغلت العباد دون عوائد ولا فوائد... هذا ما يجب أن يكون الخلاصة لما تشهده السعودية اليوم؛ الانفتاح الحقيقي على نفسها وعلى العالم، إدراكها أنها بلد غني «بألوانه»، وليس فقيراً بالأبيض والأسود الذي كان يحصرها في قالب الأمس، ويقيد من طموحها وطموحات شعبها.
المجتمعات لا يمكن أن تبقى جامدة، إذ تطور نفسها وتواجه تحدي الحداثة بثقة، وليس التأقلم مع الحداثة يعني الخروج من التراث والقيم كما كان يروج له كفزاعة مضللة لا وجود لها.
كان حواراً مشوقاً وصحياً ومحترماً بلا تخوين وبلا تشنج وبلا تشكيك. كلٌّ ذهب إلى وجهته ورحلته، وفي اعتقادي أنه أكثر اطمئناناً وفرحة وأملاً في مستقبل بلاده، وهذا في حد ذاته أكبر عائد على القرارات الأخيرة.
صناعة الأمل مسألة صعبة متى ما نجحت في عملها الحكومات والدول فشعوبها ستكون قادرة على تحريك الجبال بعد ذلك.