خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

كلمات عن جورج بومبيدو

يتذكر بعضنا جورج بومبيدو رئيساً للوزراء ثم رئيساً لجمهورية فرنسا. إذا صعب علينا تذكر ذلك، فلا بد من أن نتذكره في ذلك المركز الكبير للفنون في وسط باريس: «مركز بومبيدو». والقليل من مثقفينا يتذكره أستاذاً للأدب الفرنسي. وعندما تسلم الحكم، قاد حملة قوية لتشذيب اللغة الفرنسية من الفساد والتدهور والتهجين الذي تعرضت له. وكان من كلماته أن قال إن الفساد الذي أخذ يضرب في اللغة أصبح يشابه الفساد في السياسة. وهو ما عبر عنه لزوجته عندما شاهد مقطعاً من أفلام جيمس بوند وآلاته العجيبة: «آه! يا ليتنا نحصل على مثل هذه الآلة لنسلطها على الخراب الضارب في أعماق سياستنا».
كأستاذ متضلع في الأدب، صدرت عنه كلمات سياسية بليغة شاعت في فرنسا. طرحت أمامه مشكلة إدارية واقترحوا عليه إحالة الموضوع إلى لجنة من الخبراء، فقال: «هناك ثلاث طرق للوقوع في الخراب والفشل: النساء، والقمار، واستدعاء الخبراء».
عمد ميشال دوبريه، وزير المالية في حكومة بومبيدو، إلى جلب سرير وضعه في غرفة مجاورة لمكتبه. فكثر الحديث واللغط عن أمر هذا السرير. سمع بومبيدو بذلك، فاستوضح من وزيره عن سر ذلك السرير، فأجابه بأنه كثيراً ما يفضل مراجعة أوراقه وأداء أعماله مضطجعاً على السرير. فأجابه بومبيدو: «لكَمْ سمعت أن السرير يستعمله الناس للنوم».
لقي بوريس شومان، وزير البحث العلمي، طعنة ساخرة مشابهة من رئيس الحكومة عندما تأخر عن الحضور لحفلة في قاعة رسمية كبرى من قصر الإليزيه، وكان ذلك أثناء السباق للوصول إلى القمر. حضر جميع الوزراء والسفراء وكبار الساسة وأخذوا مقاعدهم في انتظار وصول رئيس الجمهورية، الجنرال ديغول. لكن بقي مقعد واحد شاغرا، هو مقعد وزير البحث العلمي. أخيراً وصل وهو يلهث مذعوراً، فتمتم رئيس الوزراء: ها هو قد عاد من سطح القمر!
بعد آونة من تسلمه شؤون الوزارة، حصل لجورج بومبيدو ما يحصل لكثير من المسؤولين العرب بعد تسلمهم مناصب عالية... أخذ يسمن، وعبثاً حاول أن يسيطر على وزنه، فجرب سائر الوصفات الطبية عن التخسيس. التقى أخيراً بزميله جيسكار ديستان الذي ذكر له أنه عثر على وصفة وردت في أوراق الأديب البريطاني جورج برنارد شو عن اتقاء السمنة. ثم قرأ له ما ورد فيها:
«لا تستغرق في الجلوس في المقاعد المريحة. ابتعد عن التهاون. حالماً تأتي امرأة فاتنة لتنضم لمائدتك، اقفز على قدميك من مكانك بقوة لاستقبالها، ولا تنهض بكسل وبطء. وفي كل مرة تنهض فيها من مكانك، افعل ذلك بسرعة ونشاط، فهذا أفضل بكثير من التمرينات الرياضية البدنية». استمع لذلك جورج بومبيدو ثم قال لديستان:
«سمعت؟ المهم في هذه الوصفة أن تدعو لمائدتي دائماً نساء فاتنات». فقد كان بومبيدو بديناً حقاً.