سيرغي شميمانامي
TT

الديمقراطية تنتصر في الهند ولكنها تتعثر في أوكرانيا

كثيرًا ما يلاحَظ وبحق أن الانتخابات ليست هي كل الديمقراطية، ولكن عندما يصوت الملايين بعد الملايين من الناس على مدى عدة أسابيع في بلاد هائلة التنوع والتعقيد مثل الهند من أجل تغيير سليم في الحكومة، فذلك مشهد مشجع ويدعو للتفاؤل، لا سيما عندما نقارن ذلك بمن ينفذون القانون بأيديهم في أوكرانيا وتايلاند أو الفلبين.
كانت الانتخابات في الهند استثنائية من عدة نواحٍ؛ أولاً من حيث حجمها، إذ صوت 550 مليون ناخب في شبه القارة الهندية بنسبة قياسية بلغت 66.4 في المائة من مجموع من يحق لهم التصويت. ويمثل ذلك أكثر من أربعة أضعاف عدد من صوتوا في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة.
ثم كانت هناك نتيجة مفاجئة، حيث تغلب الحزب الهندوسي الوطني الذي يقوده الزعيم الإقليمي ناريندرا مودي على المؤتمر الوطني الهندي الذي حكم البلاد لمعظم فترة ما بعد الاستقلال. واتضح حتى قبل الانتهاء من إحصاء الأصوات أن حزب مودي {بهاراتيا جاناتا} حصل على أكثر من 272 مقعدًا في البرلمان، وهو العدد اللازم لتشكيل حكومة دون الدخول في ائتلاف. ومثل التصويت رفضًا مدويًا للمؤتمر الوطني الهندي ورفض حمل آخر أحفاد غاندي راهول غاندي، 43 عامًا، للواء الحزب. وتشهد الهند تغيرًا عميقًا تحت رياح التمدن والنمو الاقتصادي وتسجيل نحو 100 مليون ناخب جديد قبيل الانتخابات الأخيرة. وبالنسبة للكثير من الناخبين الجدد فإن إرث المؤتمر الوطني الهندي والوصمة المظلمة للقومية الهندوسية على مودي وحزب بهاراتيا جاناتا أقل تأثيرًا من الوعد بتفكير جديد بعد سنوات الحكم غير الفاعل وفضائح الفساد.
وعُرف عن مودي، وهو في الثالثة والستين من عمره والحاكم السابق لولاية غوجارات لمدة 13 سنة، أنه زعيم صارم ومشجع للتجارة ولا يحتمل كثيرًا الفساد. كما تميزت حملته بتقدمية أكثر مقارنة بحملة غاندي، وشملت حضورًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي. وأدى انتخابه إلى ارتفاع في سوق الأسهم الهندية بصورة كبيرة ومباشرة، لكن مودي يحمل وزرًا أيضا، إذ يعتبره الكثير من المسلمين الهنود مسؤولاً بفشله في منع الشغب الديني في ولايته عام 2002 والتي خلفت ما يفوق ألف قتيل. رغم ذلك فعندما تنعدم الديمقراطية أو تكون مهددة في الكثير من أنحاء العالم، يكون هناك سبب للاحتفاء عندما يتنحى متحدث باسم عائلة حاكمة بسماحة ويقول: «نقبل بتواضع خيار الشعب الهندي».
أما في أوكرانيا فيواصل البديل دوره في جنوب شرقي أوكرانيا، حيث استولت العصابات التي يحدوها الحنين إلى الإمبراطورية السوفياتية التي تحكمها موسكو على المباني الإدارية ونظمت في 11 مايو (أيار) ما أطلقت عليه استفتاءات تسأل المواطنين ما إن كانوا يؤيدون «الجمهوريات الشعبية» التي ادعوها في دونيتسك ولوهانسك. وكما كان متوقعًا أفاد المنظمون المسلحون بأن الغالبية صوتت بـ«نعم». وكان سيناريو مشابه أدى إلى انفصال شبه جزيرة القرم عن روسيا في مارس (آذار)، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبدو راضيًا بالنسبة لجنوب شرقي أوكرانيا بتشديد الخناق على كييف وإجبارها على منح استقلال مقدر للمحافظات الموالية لروسيا. والسؤال بعد هذه «الاستفتاءات» هو: هل يتحكم بوتين بالفعل في الانفصاليين؟ وهل سيسمحون للأوكرانيين في أقاليمهم بالتصويت في الانتخابات الرئاسية المقررة اليوم؟ وحدث شيء غريب في مدينة ماريوبول ثانية كبرى مدن الإقليم والتي شهدت مواجهات دامية مؤخرًا، عندما استولى آلاف من عمال الحديد الصلب غير المسلحين يوم الخميس على المدينة من الانفصاليين واختفى المسلحون الموالون للكرملين.
رجل الأعمال المسيطر على صناعة المعادن والمناجم في المدينة هو رينات اخمتوف، وهو من أغنى أغنياء أوكرانيا وكبار رجال الأعمال المسيطرين على الاقتصاد فيها. وظل اخمتوف يتعامل مع الأزمة بحذر حتى الآن، لكنه أصدر بيانًا يوم الأربعاء يرفض فيه الانفصال ويحذر عماله بتعرض وظائفهم للخطر تحت السيطرة الروسية. وتوظف شركات اخمتوف مجتمعة ما يفوق 280,000 عامل في شرق أوكرانيا. وثارت حشود مماثلة من عمال المناجم والحديد الصلب في خمس مدن على الأقل بما فيها دونيتسك، لكنّ مسلحي الكرملين يسيطرون حاليًّا على الموقف.
من المبكر وصف ذلك بنقطة التحول مع احتشاد 40 ألف جندي روسي على الحدود، لكن استطلاعات الرأي العام تفيد بأن غالبية مواطني شرق أوكرانيا يختارون البقاء في أوكرانيا.
* خدمة «نيويورك تايمز»