مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

بين الخبث والذكاء

من وجهة نظري، إن الإنسان المحظوظ هو الذي لم يدخل محكمة، ولم يوكل محامياً يوماً؛ مثل هذا الإنسان أكيد أمه داعية له في ليلة القدر.
وبين القاضي والمحامي دائماً (ما صنعه الحداد) على مدار الساعة؛ كل منهما يريد أن يجندل الآخر. ولتفهموا مقدار الذكاء، ولا أقول الخبث، عند بعضهم، إليكم هذه الواقعة:
انعقدت محكمة لمحاكمة متهم بقتل فتاة، لكن الأدلة لم تثبت بصورة قاطعة أنه القاتل الحقيقي، فحاول محاميه أن يستفيد من المبدأ القائل إن (الشك يفسر لصالح المتهم)، وأن يحول بذلك دون إصدار حكم بالإعدام على موكله. ولما رأى أن المحكمة تميل إلى إدانة المتهم، بدأ بعملية تمثيلية: راح يرسم للحاضرين ولأعضاء المحكمة صورة الضحية، ويذكرهم بطولها وعينيها وخصرها وثيابها، ثم بحركة مسرحية قال للجميع، مشيراً إلى باب المحكمة: والآن، انظروا، سترون أن الفتاة لم تمت، وستدخل الآن من الباب!
التفت جميع القضاة، وعندئذ أردف المحامي: وهكذا إذن، أيها السادة، التفتم جميعاً ظناً منكم أنكم سترون الضحية، فأي دليل أثبت من هذا الدليل يمكن تقديمه على وجود الشك في نفوسكم؟!
فقال رئيس المحكمة: هذا لا يعني أن المتهم بريء، فاحتج المحامي، وقال: لكن الجميع التفتوا إلى الباب!! فقال الرئيس: إلاّ المتهم لم يلتفت لأنه كان واثقاً من قتله للضحية!! - انتهى.
ومعروف أن الرئيس الأميركي الأسبق لنكولن امتهن المحاماة في بدايات حياته، وطلب منه أحد الأثرياء أن يقاضي رجلاً فقيراً على ديْن قدره دولاران ونصف الدولار انتقاماً منه، وعندما أنكر الفقير الديْن، طلب الثري من لنكولن أن يرفع له القضية، فطلب من الثري أن تكون أتعابه عنها عشرة دولارات تدفع مقدماً.
ودفع العميل الدولارات العشرة، وعندئذ ذهب لنكولن إلى المدعى عليه الفقير، وأعطاه خمسة دولارات بشرط أن يدفع دينه منها فوراً، ويستبقي الباقي لنفسه. وهكذا، ربح لنكولن خمسة دولارات، وربح الفقير دولارين ونصف الدولار، وارتاح المدعي الثري (البطران والمغفل).
أما المحامي خفيف الظل إبراهيم الهلباوي، الذي يعد من أبرع المحامين في مصر، وهو لا يتورع من التنكيت حتى على نفسه، فقد روى أن أحد الحشاشين ذهب يوماً إلى الجزار، وطلب منه لسان ثور من الصنف المفتخر، فناوله الجزار لساناً كبيراً أعجب به الحشاش، فسأله: بكم؟ فأجابه الجزار: بأربعة صاغات، فقال الحشاش: أربعة صاغات ليه، هو لسان الهلباوي؟! - انتهى.
ورحم الله الهلباوي، لو كان يعلم أن هناك محامين في هذه الأيام لديهم ألسنة أعرض وأطول من لسانه عشر مرات، ولو أنها كانت تباع عند الجزارين لأصبح سعرها أغلى من ألسنة الثيران.