محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

التغافل عن الحقيقة المرة

«لا يرغب الناس أحياناً في سماع الحقيقة؛ لأنهم لا يريدون رؤية أوهامهم تتحطم» على صخرة الواقع. هذه المقولة التي تروى عن الروائي العالمي دوستويفسكي، نتذكرها ونحن نشاهد الناس في معترك الحياة حينما يتحاورون، فتستشف من روح المكابرة أن أحد المتحدثين لا يريد الاعتراف بالحقيقة المرة، وهي جهله المطبق، أو أنه لم يعد يرهف السمع جيداً للمخضرمين والحكماء من حوله.
حينما نجالس أو نشاهد السطحيين على مدار الساعة، نساهم في تردي ذائقتنا الفكرية. فالعقل حتى يتألق يحتاج خوض غمار التحدي بقراءة أو مشاهدة طرح عميق، أو موضوعي، أو صادم، يزلزل تلك القناعات البالية التي نرددها مراراً. وننسى تلك الحقيقة المرة، وهي أننا لم نعد نطيق تعلم شيء جديد، وتحديداً مواجهة خصومنا برحابة صدر؛ ذلك أن المخالفين في الرأي هم أكبر محرض يدفعنا للبحث عن حجج دامغة نفحمهم بها.
ومن هنا أستغرب كيف لا يكترث البعض بأهمية قراءة الرأي الآخر بتعمق، ناهيك عن التحريض على وأده، مع أنه يقدم على طبق من ذهب أجندة تسهل علينا دحضه. فمن دون رأي آخر يصبح واقعنا مثل مباراة كرة قدم يزعم الفريق الوحيد بالملعب أنه المنتصر!
شخصياً أعد، مثل غيري، سنوياً قائمتين بالكتب الرصينة وأخرى بالكتب الممنوعة، أحرص على اقتنائها من شتى أرجاء المعمورة، فلربما أَجِد فيها ضالتي. وكذلك حينما يمنع كاتب لا يهدأ لي بال حتى أقرأ أكبر قدر ممكن مما كتب أو حاضر به في الشاشات الكبيرة والصغيرة، ومن أي بلد كان. والمفارقة أن تكتشف أن مَن منعوا تضاعفت شهرتهم، مع أن بعضهم لا يستحق وهج الشهرة.
الحقيقة المرة التي نحاول طمسها بمنع البعض من كشفها في نقاشاتنا ستظهر عاجلاً أم آجلاً؛ لأنها مثل أشعة الشمس تخترق النوافذ والأبواب الموصدة. يكفي تجول خاطف في وسائل التواصل لمعرفة ما يجري في كل مكان.
نحن في عصر المواجهة؛ لأننا يفترض أننا تجاوزنا مرحلة التغافل عن الحقائق المرة، وهذا يتطلب احتواء جميع الأطياف في بوتقة واحدة، ومواجهتهم بالحقائق ثم بالحلول، مهما كانت أليمة.
[email protected]