نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

غزة... في انتظار من سينهي مباراة الشطرنج

جذب نجاح مصر في التوصل إلى تفاهمات جديدة بين فتح وحماس، انتباهاً واسعاً توازى وقد تفوق على الانتباه الذي فرضته قمة العالم في نيويورك، وقطوع الاستفتاء الكردي، والتطور المتسارع للوضع العسكري، خصوصاً على الساحة السورية.
كل الأطراف المتورطة في الصراع الشرق أوسطي اهتمت بما حدث في مصر، ليس بفعل القلق على وحدة الفلسطينيين، وإنما بفعل نجاح مصر في تغيير قواعد اللعبة في غزة، وما تم حتى الآن هو البداية.
ما الذي تغير؟
إنه الدور المصري الذي اتخذ على مدى السنوات العشر الماضية سمة الوسيط المتحيز استراتيجياً لشرعية فتح، والمعالج موضوعياً لأمر واقع حماس. وبين وقت وآخر، كانت مصر تزيد جرعة الضغط على حماس، بفعل تطورات الوضع في سيناء، والعلاقة مع الإخوان المسلمين في القاهرة، وهذه الطريقة في إدارة السياسة والموقف لم تعطِ النتائج المرجوة، وكان أن انفتح الباب واسعاً أمام استثمارات متعددة، معظمها لا ترضى عنه مصر، فكيف ترضى بنفوذ تركي على تخومها؟ وكيف ترضى بنفوذ إيراني على تخومها ومصر تقود تحالف قوى الاعتدال الذي لا توفر إيران جهداً لتقويضه؟ وكيف ترضى كذلك عن النفوذ القطري المحرج ومصر جزء أساسي من التحالف الناشئ ضد سياسة قطر؟
هكذا كانت الخريطة داخل غزة وحولها، وهي خريطة محكومة بجدارين موضوعيين يشكلان الثوابت الوحيدة فيما يتصل بغزة؛ الجدار الإسرائيلي شمالاً، وهو المتحكم بعدد إبر الخياطة المسموح لها بدخول غزة، والجدار الجنوبي الذي هو مصر، بكل ما تعنيه من تفوق على الآخرين من كل النواحي.
أما اللاعبون الفلسطينيون على أرض غزة، وهم بالأساس فتح وحماس، فدورهم في اللعبة الكبرى ثانوي إلى أبعد مدى، وذلك من خلال معادلة هي الأغرب من بين كل معادلات الكيانات في الكون، كلمة سرها «فتح عباس» تمتلك شرعية مجمعاً عليها، ولكنها عارية تماماً من النفوذ، وحركة حماس تمتلك نفوذاً مطلقاً في غزة، ولكنه عارٍ تماماً من الشرعية.
ووفق هذه المعادلة العجيبة الغريبة، فشلت كل محاولات المصالحة والتوحيد، بل وفشل تماماً ما هو أقل من ذلك، وهو المهادنة والملاينة وتهدئة الصراع المحتدم المتجدد بلا هوادة على الواحد في المائة، التي هي مساحة سلطة أي طرف من الطرفين المتصارعين.
الجهد المصري الأخير ينبغي ألا يوصف بأنه واحدة من المحاولات التي فشلت، لأن في الأمر تغييراً أساسياً في قواعد اللعبة، فما أن تدخل مصر إلى قلب غزة، كجهة ضامنة ومشرفة على التنفيذ، بموافقة الشرعية العارية عن النفوذ، والنفوذ العاري عن الشرعية، فلن يكون وجودها مجرد مكتب لمختار يسعى بالخير بين المتخاصمين، بل سيكون أكثر من مقرر في أمر ما ينبغي أن يتم على الأرض، وذلك سيخلق معادلة جديدة قوامها: كلما اتسع النفوذ المصري العامل على الأرض في غزة، ينحسر نفوذ الآخرين إلى أضيق نطاق ممكن.
لن تمانع مصر في أن تتلقى غزة أو حماس دعماً قطرياً أو إماراتياً، أو حتى تركياً، ما دام الدعم لا يفرز توجهات سياسية وأمنية تضر بالدولة المصرية، ولو بمجرد الشبهات.
وهنا، لا نغفل الجدار الأصغر الذي فتح بوابة صغيرة لمرور الدعم القطري والتركي إلى حماس، فما دامت الطائرات تحط في المطارات الإسرائيلية، والبواخر تفرغ حمولتها على الأرصفة الإسرائيلية، فلا ضرر من ذلك، لا على إسرائيل ولا على مصر، ولا على أي طرف آخر.
هذا هو الجديد: الدخول المصري المباشر إلى غزة، دون الاضطرار لإدخال قوات مسلحة، أو رصد مليارات الدولارات، كنفقة مقاولة عملها غيرها فيما مضى؛ ذلك أن رضا الطرفين المتصارعين ودعمهما وتعاونهما مع الدور المصري يغني عن كل الجيوش والأموال.
وحين تتسلم مصر زمام الأمور، بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في عقر دارها، وبجهد مواظب منها، فعلى كثيرين أن ينتظروا في وقت ما جملة الشطرنج الحاسمة: «كش ملك».