ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

أزمة كوريا الشمالية وحجم المأساة

عندما ينظر المؤرخون في يومنا الحالي إلى المواجهة القائمة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، من المحتمل أن يسمعوا أصداء تحذيرات وتهديدات سبق وأن صاحبت صراعات في الماضي، والتي غالباً ما أسفرت عن عواقب كارثية.
من ناحيته، أعرب مارك ستولر، المؤرخ الدبلوماسي والعسكري بجامعة فيرمونت، عن اعتقاده بأن «أحد الأمور المؤكدة أنك عندما تختار الحرب كسياسة، فأنت لا تدري كيف سينتهي الأمر». وينبغي أن يدفع هذا الغموض صانعي السياسات لتوخي الحذر الآن في تعاملهم مع كوريا الشمالية.
في الواقع، يعلمنا التاريخ أن الحروب غالباً ما تنجم عن خطابات عدوانية ومعلومات رديئة. في بعض الأحيان، يخفق القادة في التحرك بالقوة الكافية لردع عدوان، مثلما حدث في ميونيخ عام 1938، إلا أنه في كثير من الحالات تشتعل الحروب جراء سلسلة من الأخطاء التي تتمخض عن نتيجة لم يكن يرغبها أحد، مثلما حدث في أغسطس (آب) 1914،
وربما تمثل الحرب العالمية الأولى المثال الأوضح على كيف يمكن أن تسفر الحسابات الرديئة عن كارثة عالمية. ومثلما سرد ستولر على مسامعي أثناء لقاء بيننا، فإن كل طرف تورط في موقف هجومي، بناءً على اعتقاده بأن أهداف بلاده يمكن إنجازها عبر حرب قصيرة، بتكلفة ضئيلة نسبياً.
إلا أن ذلك تمخض عن سلسلة من الأحداث المأساوية: بعد اغتيال الأرشيدوق فرانز فيرديناند، طلبت النمسا دعم ألمانيا في مواجهة صربيا، وعرض القيصر فيلهلم الثاني بغباء «شيكاً على بياض». في المقابل، بدأت روسيا، حليفة صربيا، في تعبئة قواتها، وردت ألمانيا بتعبئة قواتها هي الأخرى، وكذلك فعلت فرنسا، ثم بريطانيا.
أما في خضم عصر الأسلحة النووية، فإن عواقب الحسابات الخاطئة ستكون أكثر فداحة بكثير، لكن لحسن الحظ ساد المنطق حتى الآن. في كتابه «خدعة آيك»، شرح إيفان توماس أن الرئيس دوايت دي. أيزنهاور كان على شفا التورط في الحرب الكورية عام 1953، وكتب يقول إنه «عندما كان يخفق الصينيون والكوريون الشماليون في تقبل الوضع القائم، كان الدبلوماسيون الأميركيون يلمحون بصورة عامة إلى أن الولايات المتحدة ستوسع نطاق الحرب لتضم الأسلحة النووية». أما مسألة ما إذا كان أيزنهاور كان ينوي حقاً استخدام القنبلة النووية، فتبقى أمراً لا يمكن الجزم به.
أقدم أيزنهاور على هذه المجازفة مجدداً عام 1958، عندما منحه رئيس الوزراء السوفياتي نيكيتا خروتشوف إنذاراً نهائياً يقضي بضرورة سحب الولايات المتحدة قواتها من برلين. وأكد أيزنهاور، الذي عرف في الدائرة المقربة منه باسم آيك، لمساعديه أنه معارض تماماً لهذا التهديد. ومع ذلك، سرعان ما وجه الدعوة إلى الزعيم السوفياتي لزيارة الولايات المتحدة، وفي أعقاب عطلة نهاية أسبوع حميمية قضاها الزعيم السوفياتي برفقة أحفاد الرئيس داخل المزرعة التي يملكها، تراجع خروتشوف عن موقفه.
وتعتبر أزمة الصواريخ الكوبية لحظة الذروة في المجازفات السياسية الخطيرة في الحقبة النووية. إلا أن فيليب زيليكو، الذي تعاون مع غراهام أليسون في تأليف كتاب «جوهر القرار» الذي تناول أحداث تلك الفترة، يرى أن القصة في حقيقتها أكثر غموضاً عن السرد المطروح. في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 1962، وجه الرئيس جون إف. كينيدي إنذاراً نهائياً لخروتشوف نجح في تجنيب البلدين الحرب. إلا أن هذا جاء فقط بعدما تجاهل خروتشوف تحذيراً وجه إليه في 13 سبتمبر (أيلول) ضد وضع أسلحة نووية في كوبا. والتساؤل هنا: هل كان كينيدي سيعلن الحرب حقاً لو لم يتراجع خروتشوف؟ في الواقع، لقد أخبر قائداً بالأسطول الأميركي أنه كان ينوي بدء عمليات قتالية في 30 أكتوبر.
ويكشف التاريخ الحديث كيف أن الحروب تتداخل مع الوعود والإنذارات، بعضها يجري الالتزام به وأخرى تتعرض للتجاهل فحسب، حسبما أوضح زيليكو. عام 1916، تعهدت ألمانيا بأن غواصاتها لن تهاجم سفناً أميركية، ثم فعلت ذلك، ما أدى لجر الولايات المتحدة إلى الحرب. عام 1965، حذرت الصين من أن وقوع غزو أميركي لفيتنام الشمالية سوف يستدعي التدخل الصيني، وظلت القوات الأميركية أسفل المنطقة منزوعة السلاح. عام 1991، حذرت الولايات المتحدة العراق من أنه حال عدم انسحاب قواته من الكويت، فإن الولايات المتحدة ستهاجم قواته. ولم يستجب العراقيون، ونفذت أميركا تهديدها. وفي حماقة ما تزال تداعياتها قائمة ليوم، أقدمت أميركا على غزو العراق عام 2003 بناء على معلومات استخباراتية زائفة عن وجود أسلحة دمار شامل.
والآن، كيف ينبغي أن نطبق دروس التاريخ على الأزمة الحالية مع كوريا الشمالية؟ أولاً: تحمل الرسائل أهمية محورية. ومع وجود هذا القدر الكبير من المخاطر، من الجنون أن يقنع الرئيس ترمب بإرسال إشارات بالغة الحساسية عن الحرب والسلام عبر تغريدات لا تتجاوز الواحدة منها 140 حرفاً. ثانياً: توحي الدلائل القائمة أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يميل بالفعل للإقدام على مجازفات بالغة الخطورة. وتشير تقديرات مسؤولين أميركيين إلى أنه أجرى أكثر من 80 اختباراً لصواريخ وقنابل منذ صعوده إلى سدة الحكم عام 2011، مقارنة بـ20 فقط في عهد والده.
هل يمكن أن يبدي كيم استعداده يوماً ما للتفاوض مع ترمب. حتى الآن، رفض كيم بازدراء الخطوات التي اتخذتها أميركا للتقارب، واستجاب للدعوات الأميركية لضبط النفس بإجراء ثلاثة اختبارات أخرى. من ناحيتها، ادعت كوريا الشمالية أنه يتحرك انطلاقاً من رغبته في الدفاع عن النفس بسبب التدريبات العسكرية الأميركية المشتركة مع كوريا الجنوبية، الشهر الماضي.
* خدمة «واشنطن بوست»