ميغان أوسوليفان
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

ترمب لا يمكنه حل الأزمة الكورية بصفقة

غرد الرئيس دونالد ترمب في نهاية الأسبوع، بأن الولايات المتحدة قد تنظر في إنهاء كافة العلاقات التجارية مع الدول التي تقيم علاقات مماثلة مع كوريا الشمالية، وهي التغريدة التي لاقت استهجاناً واسع النطاق على أسس واقعية. وبالنظر إلى أن 90 في المائة من تجارة كوريا الشمالية تتم مع الصين، فإن هذه التغريدة لم تكن سوى تهديد أجوف، بإنهاء الولايات المتحدة لكافة علاقاتها التجارية مع بكين، ما يؤذن بإنهاء العلاقة التجارية الثنائية التي تقدر بنحو 650 مليار دولار سنوياً. ومن شأن ذلك، كما يشير كثيرون وبشكل صحيح، أن يعني وقوع كارثة اقتصادية لكوريا الشمالية، فضلاً عن الولايات المتحدة كذلك.
والحجج الواقعية - إلى جانب الانتقادات المصاحبة لها، مثل التصريحات والبيانات المشككة في مصداقية الولايات المتحدة - تستند إلى أسس سليمة وقوية. بيد أن مشكلتي الكبرى مع تغريدة الرئيس الأميركي تكمن في مجال آخر. فإن تهديد ترمب – ولا سيما عند النظر إليه جنباً إلى جنب مع الاستعداد المعلن عنه بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية – يعكس استعداده وميله إلى الضغط على حلفائه المحتملين، على أمل أن تلك الضغوط تخلق نوعاً من القوة التي تدفعهم إلى التعامل مع المشكلة السائدة، ولكن وفقاً لشروط واشنطن.
فمن خلال التهديد بتقليص العلاقات التجارية مع كوريا الجنوبية والصين، يبدو ترمب محاولاً تحقيق بعض النفوذ، أو خلق نوع من القدرة على المساومة، حيال سيول وبكين، تلك التي يمكنه استخدامها لإجبارهما على التعامل بمزيد من الصرامة إزاء كوريا الشمالية. وكما قال الرئيس الأميركي من قبل في أبريل (نيسان) الماضي، في البرنامج الحواري «واجه الأمة»: «أعتقد وبصراحة أن كوريا الشمالية ربما تكون أكثر أهمية من التجارة». كما أعرب عن اعتقاده بأن ضمان الحصول على مساعدة الصين في التعامل مع كوريا الشمالية يمكن أن يكون «صفقة غير تجارية جديرة بالإبرام بالنسبة للولايات المتحدة».
لقد علمنا ولبعض الوقت، أن الرئيس الأميركي ينظر إلى كافة المفاوضات من زاوية تتعلق بالمقايضة أو المعاملات التبادلية. وربما، في بعض الظروف المعينة، يؤتي هذا النهج من المعاملات بعض الثمار في عالم السياسات الخارجية، على الرغم من صعوبة الإشارة إلى أمثلة حقيقية على ذلك. ولقد حاولت بعض الإدارات الأميركية السابقة التعامل مع روسيا اعتماداً على هذا النهج، غير أن موسكو تأخذ أي تنازل كدليل على الضعف، وليس جزءاً لا يتجزأ من صفقة واضحة المعالم.
وانتهاج هذا المسار مع الدول الحلفاء، مثل كوريا الجنوبية، أو مع الشركاء المحتملين، مثل الصين (فيما يتعلق بكوريا الشمالية على أدنى تقدير) يثير مزيداً من الإشكالات المعقدة. ففي هذه الحالات، ينبغي للاحتمالات أن تكون كبيرة، استناداً إلى فرضية أن العلاقات الثنائية هي أكبر قدراً من مجرد تحليل التكاليف والمكاسب. والترتيبات الجديرة بالاعتبار في سياق بعض الثقة، قد تقع خلافاً لذلك ضمن سياق المكاسب قصيرة المدى.
لكن ما يبعث على الدهشة والقلق بشأن تصريحات الرئيس الأميركي خلال اليومين الماضيين - وخصوصاً في أعقاب أقوى التجارب النووية التي أجرتها كوريا الشمالية حتى الآن - هو أن الرئيس ترمب يبدو وكأنه يعتقد أن النهج التبادلي ملائم حتى في الأزمة التي قد تكون وجودية لبعض الأطراف المعنية. ويبدو أن الرئيس ترمب يعتقد كذلك أنه بإمكانه تعديل ميزان هذه العلاقات بطريقة تقصر خيارات كوريا الجنوبية والصين على تناول مشكلات كوريا الشمالية بالطريقة التي يرغب هو فيها.
وإنه لمسار محفوف بكثير من المخاطر. فإن الوصول إلى تسوية لمشكلة عالية المخاطر وفائقة التعقيد مثل كوريا الشمالية، يستلزم اتخاذ منهج مغاير تماماً. وفي الماضي، عندما كانت الجهود الجماعية مطلوبة لمكافحة التهديدات الوشيكة، كان يُطلب من كل لاعب في المضمار أن يثب وثبة قوية ومؤثرة، ويلتزم التزاماً وثيقاً بالتعهدات، والمجازفة الكبيرة خارج منطقة الأمان المعهودة. وكانت مثل هذه الوثبات ممكنة في سياقات الثقة والقيم والأغراض المشتركة، مثل اتحاد الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وراء فكرة بعينها مفادها أن الهجوم على الواحد يساوي الهجوم على الجميع.
وفي بعض الأحيان يكون التوحد الجماعي أقل نبلاً وغير مشروط، تماماً عندما بدأت الولايات المتحدة والصين التقارب المعروف منذ سبعينات القرن الماضي. ولكن ذلك كان على خلفية المصالح المشتركة المتصورة والحقيقية على مسار المواءمة مع الاتحاد السوفياتي، وكانت قاعدتها واسعة بدرجة تسمح بالصمود في أعقاب بعض خيبات الأمل المعروفة على كلا الجانبين. وكانت أكبر من مجرد النمو المطرد لسلسلة من الحسابات قصيرة الأمد القابلة للقياس، والموازنة بين كل منها على جداول قواعد البيانات.
أشعر بتعاطف حقيقي حيال بعض المسؤولين في إدارة ترمب، والمعهود إليه التعامل مع تهديدات كوريا الشمالية. ويا لها من مشكلة سياسية ذات أبعاد هائلة، ومن دون إجابة صحيحة وواضحة. وهناك، مع ذلك، استراتيجيات خاطئة بكل وضوح، واعتماد منهج المبادلات الصارمة حيال الحلفاء والشركاء الضروريين، هو من جملة هذه الاستراتيجيات.
وإلى حد ما، من الممكن تصور العثور على نتيجة إيجابية لهذه الأزمة، إذ إنها تنطوي على التعاون بين الولايات المتحدة، والصين، وكوريا الجنوبية وآخرين ممن يعمل بعضهم مع بعض، ومن شبه المؤكد وجود قدر لا بأس به من الثقة والإيمان بين بعضهم وبعض، في الوفاء بالتعهدات والالتزامات التي لا يمكن أن تكون مضمونة خارجياً. إن النهج التبادلي يفتقر إلى أدنى الفرص الممكنة وصولاً بنا إلى هذا الغرض.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»