إميل أمين
كاتب مصري
TT

شراكة أقوى لمستقبل أفضل

في الفترة ما بين الثالث والخامس من شهر سبتمبر (أيلول) الحالي تشهد مدينة شيامين الصينية قمة لمجموعة دول البريكس الخمس (الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب أفريقيا)، بالإضافة إلى أربع دول من العالم النامي والقادم بقوة إلى سماء الاقتصاد العالمي.
ولعل ما يميز هذه القمة أنها تعد فرصة جديدة وجيدة للتعاون المفتوح والخلاق بين أسواق كبرى قائمة وأخرى قادمة، ما يعني أن هناك نسقاً تعاونياً مختلفاً على صعيد الاقتصاد العالمي، يغاير مفاهيم دوائر السطوة الاقتصادية والسياسية الغربية السائدة طوال القرون الخمسة المنصرمة، والتي تجلت في العقود اللاحقة للحرب العالمية الثانية في صورة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتبعاتهما.
الحديث عن دول البريكس يذكرنا بأننا أمام خمس دول يمثل إنتاجها العالمي نحو 30 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي، وتعداد سكانها يمثل 43 في المائة من سكان المسكونة، ومساحة جغرافية تزيد على 26 في المائة من مساحة الكرة الأرضية، ما يعني أن هذا التجمع وعن حق يعد تغيراً جيوبوليتكياً حقيقياً، يقوم بعملية إزاحة بدرجة أو بأخرى للمشهد الدولي القديم، حيث هناك قطب واحد فقط، مسيطر بقوة على مقدرات الرؤية العالمية.
القمة التي نحن بصددها تجيب عن علامة استفهام تشغل كبار المحللين السياسيين عن حال ومآل القوى الاقتصادية الصاعدة كالصين والهند وروسيا بنوع خاص، وهل هي منشغلة فقط بالتحديات الداخلية التي تواجهها، أم أنها تميل للعب دور أكبر على صعيد المسؤوليات الدولية؟
الشاهد أننا لاحظنا حرصاً من دول البريكس في هذه القمة على دعوة أربع دول تمثل تكتلات اقتصادية لها وزنها وينتظرها مستقبل اقتصادي مزدهر، المكسيك من أميركا اللاتينية، غينيا من أفريقيا، مصر من الشرق الأوسط، تايلند من جنوب شرقي آسيا.
الشراكة الجديدة تفيد بأن هناك فرصة تاريخية ما لتغيير خريطة المساقات الدولية، وربما دوائر التبعية الكلاسيكية المعهودة في العقود السابقة، وفتح آفاق جديدة لعالم تتغير فيه ملامح ومعالم المستقبل، وتعاد فيه صياغة خريطة التوازنات الدولية.
ولعل علامة الاستفهام التقليدية التي تواجه الباحث في هذا السياق... هل ما يجري من حولنا يختصم بطريقة أو بأخرى من نفوذ أميركا حول العالم؟
السؤال المتقدم وكما يذهب نائب الرئيس الأميركي الأسبق آل غور يحمل في طياته مخاوف من فقدان الولايات المتحدة قدرتها على تأمين العالم وقيادته بحسب مفهوم الاستثنائية السائدة تقليدياً في العقلية الأميركية، ويرصد رجل الدفاع عن البيئة الشهير بالفعل درجة ما من تراجع النفوذ الأميركي تبدأ من عند حدود الاقتصاد.
تاريخياً تبدأ الأقطاب الدولية والإمبراطوريات أحلامها وتوسعاتها من عند المقدرة الاقتصادية الكبرى، تلك التي تسمح لها بالانطلاق بعيداً عن حدودها الجغرافية، فالقوة الاقتصادية هي منشأ ومنطلق النفوذ السياسي والعسكري، وحال تقلصها حكماً سيختلف المشهد طولاً وعرضاً ومساحة إجمالية.
في عام 2010 أصبحت الصين الدولة الرائدة في مجال التصنيع في العالم لتنهي بذلك فترة القيادة التي تمتعت بها أميركا على مدار الـ110 أعوام.. ماذا يعني ذلك؟
عند البروفسور روبرت آلن أحد أهم المؤرخين الاقتصاديين في كلية «نوفيلد» في أكسفورد أن «هذا الحدث المهم يحدد اكتمال دورة مدتها 500 عام في التاريخ الاقتصادي».
والشاهد أنه عندما تتفوق القوة الاقتصادية الشاملة للصين على القوة الاقتصادية في أميركا في وقت لاحق من هذا العقد، فإن ذلك سيحدد وللمرة الأولى منذ عام 1890 وجود اقتصاد آخر في العالم يضاهي الاقتصاد الأميركي ويتجاوزه....
كيف يمكن للمشهد العالمي أن يتغير بصورة أوسع حال انضمام الهند إلى الصين اقتصادياً على الأقل وفي البدايات؟
الوضع في مجموعة «البريكس» يشرح الأمر، ففكرة وجود بنك للمجموعة برأسمال 100 مليار دولار، تعكس توجهاً ذا أبعاد سياسية لتغيير قادم لا محالة، ربما يعمد إلى القوة الناعمة أول الأمر والخشنة ثانياً.
هل نحن إزاء عالم ما بعد أميركا؟
حكماً شيء ما يتغير حتى وإن كانت أميركا ستبقى في الصورة لعقود قادمة، إذ إن القول بأنها ستتراجع إلى ما وراء بعيداً جداً، غالباً قول يجانبه الصواب، لكن حتماً ستؤثر معطيات البريكس وغيرها من التجمعات الأممية على مستقبل الأحادية الأميركية.
ثم ماذا؟
أكثر ما يهمنا في تطورات موازين القوى العالمية طرح السؤال عن موقع وموضع العالم العربي في التشكلات الجديدة وهل لنا مكان ومكانة تتناسب وقدراتنا الإنسانية عبر التاريخ، ومواردنا الاقتصادية والديموغرافية، عطفاً على هبة الجغرافيا التي جعلت من بلاد العرب قلب الكرة الأرضية؟
لن ينتظرنا العالم مائة سنة أخرى ولن يملك أحد رفاهية التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى تأخر المسلمين وتقدم غيرهم... القاطرة تسير بسرعة وثقة، والبريكس تجلى للكثير من الصياغات العولمية الجديدة...
أيتوجب علينا أن نتنبأ بشكل عالمنا العربي وصيرورته؟ المؤكد أن أفضل طريق للتنبؤ بالغد هو صناعته.