هل من شأن استراتيجية الرئيس ترمب حيال أفغانستان تغيير ديناميات أطول الحروب الأميركية وأكثرها إحباطاً؟ هل أمام القادة العسكريين فرصة حقيقية للنجاح الآن مما كان عليه الأمر عند بدء الصراع قبل 16 عاما؟
وجهت هذه التساؤلات عبر الهاتف إلى الجنرال جون «ميك» نيكولسون الابن، الذي قاد القوات الأميركية في كابل لأكثر من 18 شهرا. وتلك هي دورته العسكرية الرابعة في أفغانستان والعام السادس من خدمته في البلاد. ومن المحتمل أنه يعرف كثيرا عن هذه الحرب الصعبة والمكلفة كأي جندي أميركي يخدم في الجيش.
وأجاب الجنرال نيكولسون بما يعرفه عن أفغانستان منذ لقائنا الأول قبل 10 سنوات في جلال آباد، عندما كان عقيدا يرأس لواء عسكريا في الفرقة العاشرة الجبلية. كانت تلك الأيام باهرة وباعثة على التفاؤل عندما كان يمكن للعقيد نيكولسون اصطحاب الزوار إلى مجلس «لويا جيرغا» القبلي الإقليمي، عندما كان زعماء القبائل يعلنون عن دعمهم للمهمة الأميركية في البلاد، وعندما كانت فرق التنمية الأميركية تقوم برصف الطرق وبناء المدارس إثر ثقتهم بالاستقرار الذي يتبع التنمية الاقتصادية.
ولم يمض الأمر على منواله هذا، ويذكر الجنرال نيكولسون الآن وهمين اثنين عن تلك الفترة قال إنهما كانا السبب في تقويض الجهود الحربية هناك. الوهم الأول كان عدم إدراك القادة العسكريين الأميركيين لأهمية الدعم الخارجي الحيوي من باكستان في السماح لحركة طالبان المكروهة داخليا في الصمود والاستمرار. والوهم الثاني أن القادة العسكريين الأميركيين لم يدركوا أن الفساد يأكل الهيكل الأمني الأفغاني الذي كانت الولايات المتحدة تحاول بناءه هناك.
وتتعامل استراتيجية الرئيس ترمب، على الأقل بصورة متواضعة، مع هاتين المشكلتين الكبيرتين. ولقد حذر الرئيس ترمب أول الأمر قائلا: «لم يعد بإمكاننا الصمت حيال الملاذات الآمنة التي توفرها باكستان للمنظمات الإرهابية». وهذا يعني على الأرجح المزيد من الإجراءات الصارمة والقليل من المحفزات بالنسبة لإسلام آباد، ومما يؤسف عليه، أن الرئيس ترمب ربما قد قوض نفوذه في باكستان من خلال تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الهند، خصم باكستان العنيد.
ثانيا، تعهد ترمب بدعم الحكومة الأفغانية تحت رئاسة السيد أشرف غني التي تسعى لمكافحة الفساد وتخطط لإجراء الانتخابات الإقليمية في الصيف المقبل. من الناحية النظرية، من شأن القيادة القوية والمثلى دعم الحملة الداخلية ضد المتمردين. وقال الرئيس ترمب: «يتوقع الشعب الأميركي أن يرى إصلاحات حقيقية، وتقدما حقيقيا، ونتائج حقيقية». (وبالإضافة إلى أنها مسيرة طويلة للغاية، فإن هذا يبدو وبشكل مشكوك فيه كمثل بناء الأمة من جديد الذي يصر الرئيس الأميركي على النأي بنفسه تماما عنه).
ولكن هل سوف تنجح هذه الجهود؟ يشكك كثير من المراقبين بأن الاستراتيجية الأميركية تسير على طريق النصر، كما قال الرئيس الأميركي، ولكنهم يعتقدون أنها قد تجنب الجانب الأميركي الهزيمة الصريحة. وإجماع الآراء بين هؤلاء الخبراء يدور حول أنه من خلال إضافة المزيد من القوات وغيرها من التدابير، يمكن للولايات المتحدة المحافظة على حالة الجمود الراهنة، وفيها تسيطر حركة طالبان على نحو نصف المناطق الريفية من البلاد وتسيطر الحكومة المركزية على العاصمة كابل وغيرها من المدن الكبرى.
وتقلل استراتيجية الرئيس ترمب من احتمال تعرض الحكومة الأفغانية للانهيار خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة. وهذه نسخة محدودة للغاية من النجاح على أرض الواقع.
ولكن، لماذا عكس الرئيس ترمب وجهة نظره المبكرة والمتشككة وانطلق يدعم الجنرال نيكولسون وغيره من الجنرالات الأميركيين الذين يسيطرون على فريق الأمن القومي في البيت الأبيض؟ ولماذا يتجاهل خريج كلية وارتون هذه النصيحة التي غالبا ما يقدمها خبراء المال والأعمال بأن «التكلفة الغارقة - أي الأموال المنفقة والجهود المبذولة - لا تبرر في حد ذاتها الاستمرار في الاستثمار؟
والإجابة ليست معقدة للغاية. فالسيد ترمب لا يريد أن يكون الرئيس الأميركي الذي يعلن انسحاب قوات عن ميدان القتال. وهو لا يرغب في وصمة عار الهزيمة العسكرية.
وأفضل الحجج لسياسة السيد ترمب في أفغانستان، هي أنها تتجنب الهزيمة قدر المستطاع، ووفق تكاليف منخفضة نسبيا. وهي تضمن وجود المنصة التي يمكنها أن تعمل ضد ما قاله ترمب بنفسه بأن هناك 20 جماعة إرهابية عاملة في المنطقة، وهي تحافظ على القاعدة التي تسمح للولايات المتحدة باستمرار مراقبة الأسلحة النووية الباكستانية القريبة. كما أنها تتجنب الانتصار السريع من جانب طالبان، وتسمح في الوقت نفسه بتحقيق المصالحة في خاتمة المطاف. وكل ما ذكرناه من الأهداف الجديرة بالاعتبار والاهتمام.
يقول الجنرال نيكولسون: «لا أعرف إن كان لدينا خيار الانسحاب. فمن شأن ذلك أن يحفز الإرهابيين في جميع أنحاء العالم». وهو يشبه أفغانستان وباكستان بـ«طبق بتري» المعملي الذي ازدهرت فيه الجماعات الإرهابية شديدة الخطورة. وعبر أروقة الحكومة الأميركية، وحتى لدى المشككين في الاستراتيجية المذكورة، فإنهم يشاركون الجنرال مخاوفه من مخاطر الانسحاب الأميركي السريع.
وقال الرئيس ترمب ذات مرة إنه يشعر بإحباط شديد من بطء وتيرة الحملة الأميركية في أفغانستان، وإنه يرغب في إقالة الجنرال نيكولسون بصفته قائدا للقوات هناك. وقال الرئيس الأميركي مساء الاثنين الماضي إن «الشعب الأميركي يشعر بالضجر الشديد من الحرب المستمرة من دون انتصار». ولكن مع موازنة المعضلة المريعة للحرب في أفغانستان، يبدو أن السيد ترمب تخير اعتماد سياسة البقاء على الطريق، سعيا وراء الحصول على نتيجة مشرفة وجديرة بالتضحيات الهائلة التي بُذلت هناك.
وذلك من دون احتفالات النصر العسكرية، ومن دون هزيمة أيضا.
* خدمة «واشنطن بوست»
8:2 دقيقه
TT
استراتيجية ترمب في أفغانستان.. لا هزيمة ولا انتصار
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة