خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الفرق بين الأخ والصديق

انطلق هذا الموضوع الحساس على هامش محنة نابليون الثالث. فقد ارتقى العرش بنتيجة ما يشبه الانقلاب. وأصبحت محنة الاعتراف بشرعيته موضوع خلاف رغم وجوده على العرش الإمبراطوري من 1851 إلى 1871. إن من عادة ملوك أوروبا أن يخاطبوا بعضهم البعض بلقب «أخ». نحن نستعمل هذه التسمية فيما بيننا. نطلقها حتى على الزبال وكناس الشوارع. ولكنهم في أوروبا يستعملون هذا اللقب للملوك. ومن حقهم ذلك لأنهم ينتمون لبعضهم البعض بعلاقات قربى. وهذا باستثناء أسرة بونابرت التي لم يكن لها شأن بينهم.
ومع ذلك فقد أخذوا يخاطبون نابليون الثالث بلقب «أخي العزيز»، وذلك باستثناء قيصر روسيا الذي امتنع عن ذلك ليس لمجرد أن نابليون هذا كان حديث النعمة بالنسبة له وإنما لأن روسيا لم تنس ما فعله نابليون الأول بها. فكان إذا اضطر القيصر لمراسلة إمبراطور فرنسا خاطبه بلقب «صديقي العزيز». تضايق نابليون من ذلك وشكا همومه إلى إمبراطورة أوروبا، الملكة فيكتوريا. فأجابته بما تتمتع به المرأة من حكمة فكتبت له: «أخي العزيز، لا تنزعج من ذلك، فهذا شرف أعظم، فالإنسان لا يختار إخوته، ولكنه يختار أصدقاءه».
جرت كلماتها مجرى الحكمة الشائعة والقول الذائع، وصدقها الإمبراطور الأهبل! ولكن والحق يقال كانت له ومضاته من البلاغة. وحدث ذلك بالنسبة لبناء البانثيون. كان هذا المبنى قبل الثورة الفرنسية يعرف بكنيسة سان جنفيف وحوله الثوار إلى «مرقد لأمجاد الوطن». دفنوا فيه عباقرة الفكر الفرنسي كفولتير. بيد أن نابليون الثالث حاول كسب الجمهور بإعادة البانثيون إلى سابق عهده ككنيسة. وعين له كاهناً جديداً. سرعان ما خف هذا إلى الإمبراطور ليعرب له عن مشكلته.
قال كيف أقوم بالعبادة الدينية في بناء يضم كبار الملحدين في فرنسا؟ فأجابه الإمبراطور وهو يداعب شاربه الطويل، ولكن ألا تعتقد أن هؤلاء المدفونين سيشعرون بالانزعاج أكثر منك؟!
مهما فعل نابليون الثالث لم يستطع أن ينال رضى الفئات المثقفة. ظلوا يروون الحكايات والطرائف ضده.
قالوا إنه عندما احترق بنك هومبور سمع ابنه الطفل بذلك فسأل والده كأي طفل غرير، أكان ذلك بفعل البارود؟ وهو طبعاً ما يتوق إليه الأطفال للعب بالألعاب النارية. أجابه قائلا: «كلا يا بني». فقال الابن: إذن فلا يعنيني أمره!
تلاقفت الصحف الفرنسية هذه الحكاية فعلق عليها الصحافي الشهير هنري روشفور، وكان من أعدى أعداء الإمبراطور، فكتب قائلا: «هو ذا وارث التاج المدعو للتربع على عرش أجمل بلدان العالم. الشيء الوحيد الذي يهمه هو البارود. أي نية له في إطلاق النار علينا يوم يتسنم العرش! ما أشبهه بمن سلفه»!