توظيف الذكاء الاصطناعي في طب القلب

إمكانات مستقبلية لتكنولوجيا مزدهرة

توظيف الذكاء الاصطناعي في طب القلب
TT

توظيف الذكاء الاصطناعي في طب القلب

توظيف الذكاء الاصطناعي في طب القلب

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز جهود الأطباء بمجالات الوقاية من أمراض القلب واكتشافها وعلاجها؟ يتناول البيان العلمي الأول لجمعية القلب الأميركية حول هذا الأمر، القيود الراهنة والإمكانات المستقبلية لهذه التكنولوجيا المزدهرة.

وكان الدكتور جاغميت سينغ، الأستاذ بكلية الطب بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «مستقبل الرعاية: أجهزة الاستشعار والذكاء الاصطناعي وإعادة اختراع الطب»، قد تولى دور المراجع للبيان، الذي نُشر في الثاني من أبريل (نيسان) 2024، بدورية Circulation. وبوصفه اختصاصياً بمجال فسلجة القلب الكهربية ومعنياً بالذكاء الاصطناعي، والصحة الرقمية وتكنولوجيا الأجهزة الطبية، أبدى سينغ تفاؤله تجاه قدرة أدوات الذكاء الاصطناعي على تحسين كيفية رعاية الأطباء للأشخاص المصابين بأمراض القلب.

وعن ذلك، قال: «لكي يحدث ذلك، سنحتاج إلى نشر هذه التكنولوجيا على نحو عادل، في الوقت الذي نتعلم فيه استراتيجيات فاعلة من حيث التكلفة، في خضم انتقالنا إلى نماذج جديدة لرعاية المرضى».

مراقبة أسرع وأدق؟

على مدار سنوات، جرت الاستعانة بالفعل بالنظم المتنوعة من الذكاء الاصطناعي (انظر إطار: فهم نظم الذكاء الاصطناعي)، في أجهزة تنظيم ضربات القلب المزروعة implantable cardioverter - defibrillators (ICDs)، التي تعتمد على قدرة الجهاز على رصد صور عدم انتظام ضربات القلب التي تهدد الحياة (إيقاعات القلب غير الطبيعية). وبعد ذلك، توفير صدمة لاستعادة الإيقاع الطبيعي للقلب.

في هذا الصدد، قال الدكتور سينغ: «هذا شكل محدد من الذكاء، مضمّن داخل جهاز، ويعمل بشكل أسرع بكثير عن الإنسان».

اليوم، تطورت الخوارزميات إلى حد أن تسجيلات النشاط الكهربائي للقلب من داخل جهاز تنظيم ضربات القلب (يطلق عليها «مخطط كهربائية القلب» electrogram) قد تكون قادرة على التنبؤ بعدم انتظام ضربات القلب قبل حدوثها بوقت طويل. وقد يتيح ذلك للأطباء تكييف أسلوب علاج الشخص لمنع الجهاز من إحداث صدمة. وشرح الدكتور سينغ أن أجهزة الاستشعار المتخصصة الأخرى (التي قد تكون جزءاً من جهاز تنظيم ضربات القلب) أو المسجلات القابلة للزرع (المزروعة بالقرب من القلب) يمكنها التقاط معلومات إضافية، والتنبؤ بدقة بما إذا كان الشخص سيصاب بقصور في القلب خلال الـ30 يوماً المقبلة.

وربما تكون الأجهزة الخارجية، التي تشبه الضمادات الكبيرة، والتي توضع على الصدر، أكثر جدوى وفاعلية. تُعرف هذه الأجهزة بـ«لصقات المراقبة patch monitors»، وتتولى مراقبة النشاط الكهربائي للقلب بشكل مستمر (وتنتج مخطط كهربائية القلب)، بالإضافة إلى إمكانية تتبع درجة الحرارة ومستوى الأكسجين والنشاط البدني وتراكم السوائل في الرئتين لمدة تصل إلى شهر.

عن ذلك، قال الدكتور سينغ: «بالاعتماد على الخوارزميات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي، وبالاستعانة بـ24 ساعة فقط من البيانات الواردة من لصقة المراقبة، يمكننا التنبؤ بأي من المرضى سيصاب باضطراب نظم القلب الخطير المحتمل، بما في ذلك الرجفان الأذيني أو عدم انتظام دقات القلب البطيني، خلال الـ13 يوماً التالية».

استخلاص معلومات أكثر من الاختبارات

يمكن أن يساعد تخطيط كهربائية القلب الروتيني والموجز، الذي يجري إجراؤه داخل أماكن طبية، في تشخيص عدم انتظام ضربات القلب والنوبات القلبية. ومع ذلك، فإنه لدى تحليله بواسطة الذكاء الاصطناعي، يمكن لنتيجة الاختبار البسيطة هذه كذلك التنبؤ بالجزء المقذوف (ejection fraction) للشخص (مقياس لقدرة القلب على ضخ الدم، والذي يستخدم لتشخيص قصور القلب) أو تحديد مشكلات القلب الهيكلية، مثل عضلة القلب السميكة (thickened heart muscle) (حالة تعرف باسم اعتلال عضلة القلب الضخامي hypertrophic cardiomyopathy).

وبالمثل، أصبح الذكاء الاصطناعي الآن قادراً على تفحص البيانات من صورة أشعة سينية واحدة للصدر (واحد من الاختبارات الطبية الأكثر شيوعاً) للتنبؤ بخطر إصابة الشخص بالنوبات القلبية، والسكتات الدماغية، والسكري، وغيرها من مشكلات القلب والأوعية الدموية الخطيرة.

المضي قدماً بالذكاء الاصطناعي

كيف يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تحسن بالفعل تجربة الرعاية الصحية لشخص ما؟ هنا، قال الدكتور سينغ: «لنفترض أنك دخلت المستشفى، قريباً، بسبب قصور في القلب وأرسلك الطبيب إلى المنزل مع جهاز مراقبة وجهاز كومبيوتر لوحي بثمن 300 دولار». بمعاونة الذكاء الاصطناعي، تتيح هذه الأدوات للأطباء توفير رعاية منزلية افتراضية ومراقبة حالتك عن بعد، ما يمكّنهم من تحديد ما إذا كنت بحاجة إلى تعديل الدواء بسرعة لمنع حدوث انتكاسة ودخول المستشفى من جديد.

كما أن التحول باتجاه أدوات الذكاء الاصطناعي في وقت مبكر يمكن أن يترك تأثيراً أكبر. ومثلاً، فإن السلع الاستهلاكية مثل الساعات الذكية، التي تعرض للأشخاص البيانات المرتبطة بصحتهم، ثم تقترح استراتيجيات الإدارة الذاتية، قد تسهم في تحسين الوقاية من أمراض القلب.

وعبر الدكتور سينغ عن اعتقاده بأنه «شخصياً، أعتقد أن الطريقة الوحيدة لجعل الرعاية الصحية أكثر استدامة أن يمتلك المرضى الأدوات اللازمة للمشاركة بشكل أكبر في رعايتهم الخاصة».

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتنبأ بالسكري والنوبة القلبية والسكتة الدماغية من صورة أشعة سينية للصدر

فهم نظم الذكاء الاصطناعي

• يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (A.I.) بشكل عام، إلى الأنظمة أو أجهزة الكومبيوتر القادرة على محاكاة الفكر البشري لحل المشكلات.

• ويعدّ تعلم الآلة Machine learning أحد أنماط الذكاء الاصطناعي. وفي إطاره، تتعلم الخوارزميات من كميات كبيرة من البيانات. ومن، وعبر التعرف على الأنماط، تزداد الآلة دقة بمرور الوقت.

• أما التعلم العميق Deep learning، فنوع من تعلم الآلة يعتمد على الكثير من الشبكات العصبية ذات الطبقات، التي جرى تصميمها على غرار بنية ووظيفة الدماغ. وتعتمد الكثير من أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة على التعلم العميق.

• وهناك الذكاء الاصطناعي التنبؤي Predictive A.I.، الذي يسخر البيانات للتنبؤ بالمستقبل. وفي التطبيقات الطبية، لا تهدف هذه الأدوات إلى استبدال دور الأطباء وأحكامهم السريرية، وإنما لمساعدتهم على تحديد الحالات المثيرة للقلق، التي غالباً ما يصعب اكتشافها قبل ظهور أعراض تثير القلق.

• وأخيراً لدينا الذكاء الاصطناعي التوليدي، Generative A.I. الذي يولد محتوى جديداً. ويعدّ «تشات جي بي تي» مجرد مثال واحد على هذا النمط. وفيما يتعلق بإعدادات الرعاية الصحية، يمكن لهذه التكنولوجيا تبسيط مهام «المكتب الخلفي»، مثل الجدولة وإعداد الفواتير وتلخيص الملاحظات من الزيارة، والإجابة عن الأسئلة التي يبعث بها الأشخاص عبر البوابات الطبية على الإنترنت.

* رسالة هارفارد للقلب، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

إنقاص 500 سُعر حراري خلال اليوم يساعد في خفض الوزن

صحتك تقليل الوجبات بواقع 500 سُعر حراري يومياً هو بداية جيدة لإنقاص الوزن (رويترز)

إنقاص 500 سُعر حراري خلال اليوم يساعد في خفض الوزن

أكد باحثون في الولايات المتحدة أن تقليل حجم الوجبات الغذائية التي يتناولها الشخص كل يوم هو المفتاح الرئيس لإنقاص الوزن بشكل عام

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك تمثل النتائج البحثية تقدماً محتملاً للعديد من مرضى السرطان (الشرق الأوسط)

«الكلوفازيمين» بديل فعال لتقليل الآثار الجانبية وتعزيز الجهاز المناعي في محاربة السرطان

أظهر مضاد حيوي غامض موجود منذ عقود من الزمن، نتائج واعدة في تقليل السمية وتعزيز فاعلية علاج حصار نقطة التفتيش المناعية المزدوجة في علاج السرطان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بفيروس كورونا على نحو مطرد (أ.ف.ب)

الصحة العالمية تعلن عن حدوث تراجع مطرد في وفيات كورونا

بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
صحتك من الشائع جداً أن يزداد شعورك بالقلق ليلاً (رويترز)

لماذا يزداد شعورنا بالقلق ليلاً؟

من الشائع جداً أن يزداد شعورك بالقلق ليلاً بمجرد غروب الشمس، في ظاهرة أطلقت عليها دراسة أجريت في عام 2022، اسم «فرضية العقل بعد منتصف الليل».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فنجان قهوة (أ.ب)

شرب الشاي أو القهوة يومياً قد يقلل خطر الإصابة بسرطان الرأس والرقبة

كشفت دراسة جديدة عن أن تناول الشاي أو القهوة يومياً قد يوفر بعض الحماية من سرطان الرأس والرقبة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

لماذا يزداد شعورنا بالقلق ليلاً؟

من الشائع جداً أن يزداد شعورك بالقلق ليلاً (رويترز)
من الشائع جداً أن يزداد شعورك بالقلق ليلاً (رويترز)
TT

لماذا يزداد شعورنا بالقلق ليلاً؟

من الشائع جداً أن يزداد شعورك بالقلق ليلاً (رويترز)
من الشائع جداً أن يزداد شعورك بالقلق ليلاً (رويترز)

من الشائع جداً أن يزداد شعورك بالقلق ليلاً بمجرد غروب الشمس، في ظاهرة أطلقت عليها دراسة أجريت في عام 2022، اسم «فرضية العقل بعد منتصف الليل»، مشيرة إلى أن مخاطر السلوك الانتحاري وتعاطي المخدرات ترتفع أيضاً بعد حلول الظلام، كما تنخفض الحالة المزاجية للأشخاص من الساعة 1 صباحاً إلى 4 صباحاً.

ووجدت دراسة أخرى، نُشرت في عام 2024 في مجلة Psychiatry Research، أن الأفكار المتسارعة التي تنتاب الكثير من المصابين بالقلق وقد تدفعهم إلى إيذاء أنفسهم تكون في أسوأ حالاتها في المساء.

فلماذا يزداد القلق سوءاً في الليل؟

يحتوي جسم الإنسان على ساعة بيولوجية مضبوطة بدقة تؤثر على كل شيء من وقت شعورك بالجوع إلى وقت شعورك بالنعاس. وتقول ريبيكا كوكس، الأستاذة المساعدة في العلوم النفسية وعلوم الدماغ في جامعة واشنطن في سانت لويس والمؤلفة المشاركة في دراسة حديثة حول توقيت أعراض القلق، إن هذه الإيقاعات الداخلية تؤثر أيضاً على الدماغ.

وأضافت كوكس لمجلة «التايم» الأميركية: «هناك إشارات بيولوجية معينة تعمل على إبقائك متيقظاً وتمنعك من النوم طوال اليوم، لكن هذه الإشارات تنخفض في الليل. فإذا بقيت مستيقظاً لوقت متأخر مع انخفاض هذه الإشارات وتراكم (ضغط النوم)، فستتأثر الوظيفة الإدراكية بدماغك. وهذا التأثر يجعل من الصعب على دماغك تنظيم العواطف».

وأشارت إلى أن هذه التأثيرات الإدراكية تساعد أيضاً في تفسير سبب إيذاء بعض الناس أنفسهم وتعاطيهم المخدرات في وقت متأخر من الليل.

وتقول: «إذا كنت تشعر بالرغبة في القيام بأي نوع من السلوك غير الصحي أو غير الآمن، فمن المحتمل أن يكون من الصعب عليك السيطرة على ذلك في منتصف الليل».

وتابعت: «ما يجعل الأمور أسوأ، هو أننا عندما نكون مستيقظين في الليل، فعادة ما نكون معزولين، وأغلب من حولنا نائمون. إذا كنت أشعر بالقلق أثناء النهار، فربما يمكنني التحدث إلى صديق أو شريك - لكن إذا كنت الشخص الوحيد المستيقظ في الليل وأشعر بكل هذه المشاعر السلبية، فإنني لن أجد شخصاً بسهولة يساعدني على التعامل معها».

ويضيف الدكتور جيفري ستراون، مدير برنامج أبحاث اضطرابات القلق في كلية الطب بجامعة سينسيناتي، أن عقلك أيضاً لديه عدد أقل من عوامل التشتيت في الليل.

فخلال النهار، من المحتمل أن تكون مشغولاً بالعمل والمهمات والأعمال المنزلية والالتزامات العائلية والاجتماعية. لكن في الليل، خصوصاً عندما تذهب إلى السرير، فلن ينشغل عقلك بكل ذلك؛ الأمر الذي يخلق بيئة مثالية للقلق.

ماذا تفعل بشأن القلق الليلي؟

تقول لي لي براون، مديرة مركز جامعة بنسلفانيا لعلاج ودراسة القلق، إن الوقاية غالباً ما تكون أفضل دواء. وتوصي بتخصيص «وقت للقلق» مدته 10 دقائق خلال يومك (قبل وقت النوم بوقت طويل)، وهي ممارسة قالت إنها مدعومة بالبحث، وتساعد في الوقاية من القلق الليلي الذي قد يأتي بنتائج صحية وعقلية سيئة للغاية.

وتقول براون: «استخدم تلك الدقائق العشر بالكامل لمراجعة كل ما يزعجك، وتدوين الملاحظات أو المهام التي تقلق بشأنها إذا وجدت ذلك مفيداً».

وتضيف: «إذا ظهرت المخاوف في رأسك خارج وقت القلق المجدول، فقل لنفسك سأؤجل هذه المخاوف والأفكار لوقت القلق المحدد»، ثم عد إلى ما تفعله.

وتؤكد الأبحاث أن الأشخاص الذين يكتبون يومياتهم ينتهي بهم الأمر إلى الشعور بالقلق بشكل أقل بشكل عام.