بعد 25 عاماً من طرح «فياغرا»... محاولات متواصلة لفهم «اختلال الانتصاب»

أدوية معالجة الضعف الجنسي غيرت أسلوب التعامل الطبي

بعد 25 عاماً من طرح «فياغرا»... محاولات متواصلة لفهم «اختلال الانتصاب»
TT

بعد 25 عاماً من طرح «فياغرا»... محاولات متواصلة لفهم «اختلال الانتصاب»

بعد 25 عاماً من طرح «فياغرا»... محاولات متواصلة لفهم «اختلال الانتصاب»

تتفق المصادر الطبية على أن دخول «فياغرا» عالم المعالجات الطبية قبل 25 عاماً، قد أحدث تغييراً كبيراً في المواقف الطبية والفردية تجاه حالات «الاختلال الوظيفي للانتصاب» (Erectile Dysfunction) لدى الرجل. وذلك ليس فقط في فهم هذه الحالات من الخلل الوظيفي للانتصاب، ولا في تسهيل الحديث عنها مع الطبيب، وفي البحث عن أسبابها وطريقة معالجتها فحسب، بل حتى في إعادة وضع ضوابط لتسمية هذه الحالة، ووضع أُطر لتعريف «ضعف الانتصاب» نفسه.

«فياغرا» وضعف الانتصابوبالرغم من تأكيد كثير من المصادر الطبية العالمية، على أن الاختلال الوظيفي للانتصاب يجدر ألا يتم اعتباره «بشكل عام» وبـ«طريقة تلقائية»، جزءاً طبيعياً من التقدم في العمر لكل منْ يشكو منه، فإن ثمة تساؤلات طبية كثيرة، مبنية على شواهد وأسباب كثيرة، مفادها: هل يُمكن في بعض الحالات اعتباره علامة طبيعية؛ بل ومرحّباً بها في بعض الأحيان، للشيخوخة الصحية، وليس كاضطراب مرضي ذي أسباب بيولوجية عضوية؟

والمُلاحظ لدى المراقبين الطبيين أن ما جعل «فياغرا» من أهم الأدوية في إثارة اهتمام شريحة واسعة من الناس في العالم أجمع، هو عوامل كثيرة لا يُمكن إغفالها. من ذلك أن «فياغرا» بالأصل تعاملت مع حالة «شائعة» في جميع أنحاء العالم، وتأثيرات هذه الحالة لا تمس طبقة من الذكور فقط في مراحل من سنهم، بل تمس أيضاً شريكات حياتهم، وكذلك تمس راحتهم النفسية، وتبعات ذلك.

كما أن «فياغرا» تعاملت مع تلك الحالات «الشائعة» بطريقة خففت كثيراً من الحرج في الحديث عنها من قبل الشخص مع طبيبه. وما جعلها قادرة على أن تُخفف من ذلك الحرج، هو ببساطة أنها قدمت حلاً أثبت فاعليته؛ إذْ لم تجعل من حديث الرجل عن معاناته تلك مجرد إحراج لا طائل من ورائه، ولا يُقدم حلاً ممكناً.

والعامل الثالث -وهو الأهم- أنها قدمت فائدة مباشرة، وسريعة، وغير مكلفة. وفي كثير من الأحيان، كانت «فياغرا» قريبة جداً، عندما يريد الرجل الاستفادة منها للتغلب على مشكلة الاختلال الوظيفي للانتصاب لديه.

فهم الاختلال الوظيفي للانتصابوبالرغم من أن «فياغرا» لم تقدم وسيلة علاجية تزيل مشكلة الاختلال الوظيفي للانتصاب «من أصلها» لدى الرجل، فإن هذه هي بالفعل حال كثير من الأدوية في دورها «العلاجي». ومن ذلك أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم التي لا تُزيل المشكلة؛ بل مطلوب من المريض تناولها بشكل يومي للحصول على ضبط ارتفاع ضغط الدم في كل يوم، وكذلك أدوية علاج السكري، وارتفاع الكولسترول، وأمراض مزمنة أخرى كثيرة.

ونتيجة لهذه النجاحات ولغيرها، طورت «فياغرا» فهم الأوساط الطبية لحالات الاختلال الوظيفي للانتصاب في جوانب التسمية والتعريف الطبي لها، بعد أن كان اسمها في «العموم» هو «العجز الجنسي» (Impotence). كما طورت طريقة البحث عن أسباب هذه الحالات، وربطتها في جوانب كثيرة منها بحالة الشرايين في الجسم، وخصوصاً الشرايين المغذية للعضو الذكري؛ ذلك أن «فياغرا»، وببساطة شديدة، تعمل بالأصل على توسيع الشرايين، وعلى تنشيط عمل الشرايين المغذية للعضو الذكري.

من ثم، تبين أن وجود الاختلال الوظيفي للانتصاب قد يكون علامة تحذيرية مبكرة لمشاكل محتملة في شرايين أعضاء أخرى في الجسم، ولعل من أهمها شرايين القلب، وهو ما تعبّر عنه كثير من المصادر الطبية بقولها: «وبالتالي، قد يكون الاختلال الوظيفي للانتصاب بمثابة علامة تحذيرية للحالات الطبية التي تحتاج إلى علاج». كما تبين أن الاضطرابات المرضية المتسببة في تداعيات سلبية على الشرايين في الجسم بالذات، هي التي تحتاج إلى اهتمام أكبر، مثل: أمراض السكري، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، وتقلبات عمل الغدة الدرقية، وغيرها.

تطوير تاريخي لـ«الفياغرا»والمُلاحظ كذلك لدى المراقبين الطبيين أن «فياغرا» فتحت الباب على مصراعيه لدخول أدوية أخرى من فئتها نفسها، تقوم تقريباً بعملها نفسه على مستوى الشرايين المغذية للعضو الذكري، ولكن تختلف عنها في طول مدة المفعول، ومدى الاستجابة، ومستوى الرضا من قبل المُستخدم.

كما أن الأوساط الطبية لم تقف عند استخدام «فياغرا» في معالجة الاختلال الوظيفي للانتصاب، بل تعدتها إلى حالات اعتمدت «فياغرا» في معالجتها بوصفها دواء أساسياً.

وجاءت «فياغرا» في عام 1998، عندما وافقت «إدارة الغذاء والدواء» (FDA) على استخدام هذا العقار، بوصفه دواء يؤخذ عن طريق الفم لعلاج الاختلال الوظيفي للانتصاب. وخلال فترة زمنية قياسية، بكل المعايير، أصبح أسرع دواء يصل إلى محطة «تحقيق مبيعات بمقدار مليار دولار» في سوق الدواء العالمية.

و«السيلدينافيل» الاسم الكيميائي لـ«فياغرا»، هو مركب اصطناعي من فئة أدوية «مثبطات الفسفوديستراز خمسة» (PDE5)، التي تقوم بمعالجة الاختلال الوظيفي للانتصاب من خلال تعزيزها لتأثير أكسيد النتريك. وأكسيد النتريك مادة كيميائية طبيعية ينتجها الجسم لإرخاء العضلات في الأوعية الدموية للقضيب؛ ما يؤدي إلى زيادة تدفق الدم إليه، وتكوين الانتصاب فيه استجابة للإثارة الجنسية.

وفي الأصل، أُنتجت «فياغرا» بوصفها دواء محتمل الفائدة لعلاج ارتفاع ضغط الدم، والذبحة الصدرية الناجمة عن أمراض شرايين القلب. وعلى الرغم من أن الدواء كان له تأثير ضئيل على الذبحة الصدرية، فإنه وُجد أنه يمكن أن يحفز انتصاب القضيب، عادة في غضون (30- 60) دقيقة. وثمة قصة طريفة تذكرها بعض المصادر الطبية، وهي مُلاحظة طاقم التمريض أن المتطوعين في تجارب استخدام هذا العقار الجديد آنذاك، كانوا ينامون على بطونهم، وحينما سألهم طاقم التمريض عن سبب ذلك، ذكروا تسبب الدواء في الانتصاب.

ونظراً لفرصة الاستفادة الإكلينيكية من مثل هذا التأثير الكيميائي الحيوي، قررت الشركة المنتجة تسويق الدواء لعلاج الاختلال الوظيفي للانتصاب. وتم تسجيل براءة اختراع «السيلدينافيل» في عام 1996.

واللافت للنظر أنه وبعد عامين فقط، وهي فترة قصيرة بشكل مذهل مقارنة بالأدوية الأخرى، جرت الموافقة عليه من قبل «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» لاستخدامه في علاج «الاختلال الوظيفي للانتصاب»، وهو الاسم الإكلينيكي الجديد لـ«العجز الجنسي». وفي ذلك الوقت، لم يكن الاختلال الوظيفي للانتصاب حالة معترفًا بها بوصفها «حالة دوائية» (Medication Condition).

أدوية علاج الضعف الجنسيوفي عام 2003، وافقت «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» على دواءين آخرين، هما: «ليفيترا» و«سيالس»، وأصبحا عقارين يتنافسان مع «فياغرا». وهذه الأدوية تتشابه في طريقة عملها، على الرغم من أن ثمة اختلافات ثانوية فيما بينها؛ لأن لكل واحد منها تركيبة كيميائية مختلفة، وهو الأمر الذي يُؤثر على طريقة عمل كل دواء منها، مثل: مدى سرعة ظهور مفعول الدواء، وسرعة اختفاء مفعوله، والآثار الجانبية المحتملة.

وفي عام 2005، وافقت «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» على المركب نفسه لعلاج مرض في القلب يسمى «ارتفاع ضغط الدم الشرياني الرئوي» (Pulmonary Hypertension)، الذي يحدّ من تدفق الدم إلى الرئتين، ويؤثر على الرجال والنساء على حد سواء. والدواء يباع الآن أيضاً تحت اسم «ريفاتيو» (Revatio)، لعلاج ارتفاع ضغط الدم الشرياني الرئوي.

الاختلال الوظيفي للانتصاب... أسباب متعددة

يلخص المتخصصون في «مايو كلينك» تعريف الاختلال الوظيفي للانتصاب بأنه «عدم القدرة على الوصول إلى الانتصاب أو الحفاظ عليه بما يكفي لممارسة الجنس». ويضيفون: «إن وجود مشكلة في الانتصاب من حين لآخر لا يمثل بالضرورة سبباً يستدعي القلق.

ومع ذلك، إذا كان ضعف الانتصاب مشكلة مستمرة، فإنها قد تسبب الضغط النفسي، وتؤثر على ثقتك بنفسك، وتسهم في نشوب مشكلات في العلاقات. كما يمكن أن تكون مشكلات الوصول إلى الانتصاب، أو الحفاظ عليه، بمثابة مؤشر على وجود حالة مرضية كامنة تحتاج إلى العلاج، وأحد عوامل الخطورة المرتبطة بالإصابة بمرض القلب. فإذا كنت تشعر بالقلق بشأن ضعف الانتصاب؛ تحدث مع طبيبك، حتى إذا كنت تشعر بالحرج. وفي بعض الأحيان، يكون علاج الحالات المرضية الكامنة كافياً لعلاج ضعف الانتصاب. وفي حالات أخرى، قد يلزم الحصول على أدوية أو علاجات مباشرة أخرى».ويوضحون أن «الإثارة الجنسية في الذكور تمضي وفق عملية معقدة يشترك فيها الدماغ، والهرمونات، والمشاعر، والأعصاب، والعضلات، والأوعية الدموية. وقد يسبب وجود مشكلة في أي من هذه العوامل ضعف الانتصاب. وقد يسبب الإجهاد ومشكلات الصحة العقلية كذلك ضعف الانتصاب، أو تفاقم الحالة. وأحياناً يسبب مزيج من المشكلات الجسدية والنفسية ضعف الانتصاب. فمثلاً، قد يؤدي مرض بدني بسيط يبطّئ استجابتك الجنسية، إلى شعورك بالقلق بشأن الحفاظ على الانتصاب. ومن شأن هذا القلق الناتج أن يؤدي إلى ضعف الانتصاب أو تفاقم الحالة».

وذكروا من الأسباب الجسدية للاختلال الوظيفي للانتصاب كلاً من:

· مرض القلب.

· انسداد الأوعية الدموية (تصلب الشرايين).

· ارتفاع الكولسترول.

· ارتفاع ضغط الدم.

· السكري.

· السمنة.

· متلازمة التمثيل الغذائي، وهي حالة مَرَضية تتضمن ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستويات الإنسولين، وتراكم دهون الجسم حول منطقة الخصر، وارتفاع مستوى الكولسترول.

· مرض باركنسون (مرض عصبي).

· التصلُّب المتعدد (مرض عصبي).

· بعض الأدوية المقررة بوصفة طبية (وتشمل: مضادات الاكتئاب، ومضادات الهيستامين للحساسية، والأدوية التي تُعالج ارتفاع ضغط الدم، أو الألم، أو أمراض البروستاتا).

· تعاطي منتجات التبغ.

· اضطرابات النوم.

· انخفاض هرمون التستوستيرون.

ويُذكّرون بأن «أفضل طريقة للوقاية من ضعف الانتصاب هي اتخاذ خيارات نمط حياة صحي، والسيطرة على أي حالات مرضية موجودة. فعلى سبيل المثال:

· تعاون مع الطبيب المعالج لك للسيطرة على مرض السكري، أو أمراض القلب، أو الحالات المرضية المزمنة الأخرى.

· راجع الطبيب المعالج لك لإجراء فحوصات منتظمة، واختبارات فحص طبية.

· توقف عن التدخين، وقلل من تناول الكحوليات أو تجنبها، ولا تستخدم العقاقير المحظورة.

· مارس التمارين الرياضية بانتظام.

· اتخذ خطوات لتقليل التوتر.

· احصل على المساعدة في حالة القلق، أو الاكتئاب، أو غير ذلك من مشكلات الصحة العقلية».


مقالات ذات صلة

مُكمّل غذائي شائع يُدخل امرأة المستشفى بسبب «تلف في الكبد»

يوميات الشرق على الرغم من ندرتها النسبية فإن هناك ارتفاعاً في إصابات الكبد الناجمة عن المكملات الغذائية (رويترز)

مُكمّل غذائي شائع يُدخل امرأة المستشفى بسبب «تلف في الكبد»

بحثاً عن تخفيف آلام المفاصل، وبعد سماعها عن الرواج الواسع لفوائد الكركم المضادة للالتهابات بين المؤثرين، بدأت امرأة أميركية بتناول الكركم بوصفه مكملا غذائيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك الاستحمام بالماء البارد يمكن أن يخفض مستويات التوتر لمدة تصل إلى 12 ساعة (رويترز)

من تعزيز المناعة إلى تقليل التوتر: لماذا يجب عليك الاستحمام بالماء البارد؟

انتشر تأثير «العلاج بالماء البارد» على نطاق واسع - من أحواض الاستحمام الجليدية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أصدقائك الذين يتباهون بسباحتهم المنعشة في البحر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك  (أ.ب)

النوم وصحة القلب... تحذير طبي للنساء بعد سن الـ45

اضطرابات النوم لدى النساء في منتصف العمر، لا سيما المصابات بارتفاع ضغط الدم أو المدخنات، ترتبط بزيادة كبيرة في خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك الخبراء لاحظوا نجاحاً في استخدام المغنيسيوم للوقاية من الصداع النصفي (رويترز)

وضع عبوة من الماء على الوجه لمحاربة الصداع النصفي... هل تفيد حقاً؟

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، ولأن سببه غير مفهوم تماماً، قد يكون علاجه صعباً، إذ غالباً ما يجلس المصابون في غرفة مظلمة وهادئة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك أشخاص يمارسون التمارين الرياضية بالهواء الطلق في برشلونة بإسبانيا (أ.ب)

بينها الإفراط في ممارسة الرياضة... 6 أمور مفاجئة تزيد من هرمون التوتر

يُعتبر الكورتيزول هو هرمون التوتر الرئيسي في الجسم، حيث يجب الحفاظ على توازن صحي له لما فيه من أهمية لمناعتنا، وتحسين عملية الأيض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

من تعزيز المناعة إلى تقليل التوتر: لماذا يجب عليك الاستحمام بالماء البارد؟

الاستحمام بالماء البارد يمكن أن يخفض مستويات التوتر لمدة تصل إلى 12 ساعة (رويترز)
الاستحمام بالماء البارد يمكن أن يخفض مستويات التوتر لمدة تصل إلى 12 ساعة (رويترز)
TT

من تعزيز المناعة إلى تقليل التوتر: لماذا يجب عليك الاستحمام بالماء البارد؟

الاستحمام بالماء البارد يمكن أن يخفض مستويات التوتر لمدة تصل إلى 12 ساعة (رويترز)
الاستحمام بالماء البارد يمكن أن يخفض مستويات التوتر لمدة تصل إلى 12 ساعة (رويترز)

انتشر تأثير «العلاج بالماء البارد» على نطاق واسع؛ من أحواض الاستحمام الجليدية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أصدقائك الذين يتباهون بسباحتهم المنعشة في البحر ضمن الأجواء الباردة. ويمكن أن تصبح الاستفادة من فوائد الماء البارد، جزءاً لا يتجزأ من روتينك اليومي.

وما يُعرف الآن بالعلاج بالماء البارد يعود في الواقع إلى اليونان القديمة. ففي ذلك الوقت، ووفقاً للأبحاث، اكتشف أبقراط استخدام الماء البارد لتعزيز الطاقة وزيادة القوة. أما في الوقت الحاضر، فقد أصبح الانغماس في مياه ذات درجات حرارة منخفضة أكثر شيوعاً من أي وقت مضى، وذلك للأسباب التالية، بحسب تقرير لصحيفة «الغارديان»:

تخفيف التوتر

هل ترغب في تحسين معنوياتك في الأشهر المقبلة؟ في وقت سابق من هذا العام، خلصت مراجعة أجرتها جامعة جنوب أستراليا لـ11 دراسة استقصت التأثير الصحي للاستحمام بالماء البارد، إلى أنه يمكن أن يخفض مستويات التوتر لمدة تصل إلى 12 ساعة بعد ذلك.

ومن المرجح أيضاً أن تلاحظ الآثار الإيجابية أسرع بكثير مما تعتقد، فقد كشفت دراسة أجريت عام 2022 ونُشرت في مجلة «Current Psychology»، أن المشاركين الذين استحموا بالماء البارد لمدة تصل إلى دقيقة واحدة يومياً، أفادوا بشعورهم بمزيد من الهدوء والاسترخاء بعد أسبوعين فقط. ويُعتقد أن فوائد تحسين المزاج تأتي من زيادة النواقل العصبية التي تُشعرك بالسعادة، مثل الدوبامين، والتي يُحفزها البرد.

محاربة الأمراض

هناك أيضاً أدلة على أن العلاج بالماء البارد يمكن أن يساعد في تعزيز المناعة. وفي دراسة أجريت عام 2016، طُلب من مجموعة من المشاركين الذين لم يسبق لهم تضمينه في روتينهم اليومي، الاستحمام في درجات حرارة منخفضة للغاية لمدة 30 يوماً متتالية. وكانت النتيجة انخفاضاً بنسبة 29 في المائة في مدة الغياب عن العمل بسبب المرض. وأشارت دراسة أخرى، من العام الماضي، إلى أن البرد قد يعزز المناعة من خلال زيادة إنتاج الأجسام المضادة وتحفيز «تكيفات فسيولوجية» ذكية تُحفّز الاستجابة المناعية.

الاسترخاء قبل النوم

لطالما أجمع العلماء على أن الاستحمام بالماء الساخن قبل إطفاء الأنوار بقليل يُساعد في النوم، حيث تُظهر الأبحاث أنه يُساعد في تنظيم درجة حرارة الجسم الطبيعية، مما يُساعد الجسم في الاسترخاء استعداداً للقيلولة. ومع ذلك، هناك أدلة على أن التعرض للماء البارد في وقت مبكر من اليوم - عندما يُحتمل أن يُنعشك - قد يُساعد في تحسين جودة النوم ليلاً.

وفي إحدى الدراسات، سجلت مجموعة من العدائين الذين تعرضوا للماء البارد، مزيداً من نوم الموجة البطيئة - وهي أعمق مرحلة نوم، وضرورية للتعافي العقلي والجسدي طوال الليل - في الساعات الثلاث الأولى من النوم. كما أنهم لم يتحركوا كثيراً طوال الليل. وبالمثل، وجدت دراسة أخرى أجريت على السباحين، أن 5 دقائق فقط من الغمر بالماء البارد كانت كافية للاستيقاظ والشعور بمزيد من الانتعاش. ويُعتقد أن هذا يعود إلى أن الماء البارد يُنشط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي - المعروف أيضاً باسم نظام «الراحة والهضم» - الذي يُريح الجسم.

تسريع تعافي الرياضيين

ربما تعلم أن العلاج بالماء البارد يُستخدم منذ فترة طويلة من قبل الرياضيين أداة فعّالة للتعافي. في الواقع، أكدت أبحاث أجريت عام 2022 آثاره الإيجابية، خصوصًا بعد التمارين عالية الكثافة، أو تمارين التحمل. واستُخدمت حمامات الثلج تقليدياً بعد التمارين لتخفيف آلام العضلات.

مع ذلك، حذرت دراسة نُشرت هذا العام من الغطس في الماء البارد بعد التمرين مباشرةً، نظراً لتأثيره على تدفق الدم وتوصيل الأحماض الأمينية إلى العضلات. وينصح بعض العلماء في الانتظار لبضع ساعات بعد الانتهاء من التمارين.