يعرف التواصل بأنه قدرة الفرد على الفهم أو التعبير عن أفكاره، وخبراته، ومعرفته، أو مشاعره لفظياً أو بشكل غير لفظي. إلا أن قدرة الفرد على التواصل قد تتأثر بسبب اضطراب أو خلل قد يصيبه في أي مرحلة من مراحل حياته، وبالتالي قد تختلف أسباب اضطرابات التواصل للأطفال عن الكبار.
في الأطفال، قد لا يكون هناك سبب ظاهر لظهورها مثل الاضطرابات التطورية وقد يكون سببها خلل أثناء الولادة مثل نقص الأوكسجين، أو قد يكون سببها جين وراثي مثل بعض المتلازمات والضعف السمعي.
أما عند الكبار، فغالباً ما تكون ناتجة عن الإصابات الدماغية مثل الحبسة الكلامية أو من سوء استخدام الصوت، مما يؤدي إلى ظهور حبيبات على الأحبال الصوتية، وبالتالي تصبح لدى الشخص بحة بصوته أو يختفي صوته تماماً، بحسب شدة الحالة. وفي بعض الحالات قد يكون لدى الفرد اضطراب تواصلي مستمر معه منذ الصغر كالتلعثم أو التأتأة.
مؤتمر سنوي
من هذا المنطلق أقام مركز جدة للنطق والسمع مؤتمره السنوي الثاني والعشرين الذي كان بعنوان «نهج تكاملي متعدد التخصصات لتأهيل الاضطرابات التواصلية والنفسية والسلوكية وأمراض الأنف والأذن والحنجرة... آخر المستجدات وطرق العلاج الحديثة»، وذلك خلال شهر التوعية العالمي لاضطرابات النطق واللغة والسمع، حيث شمل العديد من المحاضرات وورش العمل. وكان من أبرز ما احتواه المؤتمر حلقات النقاش التي تناولت العديد من الاضطرابات التواصلية وكيفية التعامل معها من منظور متعدد التخصصات، وبنهاية كل حلقة نقاش كانت هناك توصيات لتطوير جودة الخدمة في هذا المجال. وقد تضمن المؤتمر سبع حلقات نقاش تناولت المواضيع التالية: الشفة الأرنبية والشق الحلقي، والضعف السمعي، والتلعثم - التأتأة، واضطرابات التواصل الاجتماعي، واضطراب طيف التوحد. وسوف نتناول في هذا المقال أحد تلك المواضيع.
اضطرابات التواصل
تحدثت إلى «صحتك» الدكتورة نهلة أحمد الدشاش استشارية اضطرابات التخاطب، زمالة المنظمة الأميركية للنطق واللغة والسمع مديرة الخدمات العلاجية بمركز جدة للنطق والسمع، وعرفت اضطرابات التواصل بأنها أي اضطراب في قدرة الفرد على الفهم أو التعبير عن أفكاره، وخبراته، ومعرفته، أو مشاعره؛ والمقصود به أي ضعف ظاهر في مهارات النطق واللغة الذي يمكن أن يكون خلقياً أو مكتسباً. وهذه المهارات تشمل مهارات النطق والطلاقة والصوت وفهم اللغة واللغة التعبيرية.
إن الاختصاصي المؤهل علمياً للتعامل مع اضطرابات التواصل هو اختصاصي النطق واللغة - التخاطب والبلع، وهو أحد المتخصصين في التخصصات الصحية التأهيلية الذي يقوم بتقييم وتقديم الخدمات العلاجية لجميع الاضطرابات التواصلية والأكل والبلع. وتشمل الاضطرابات التواصلية اضطرابات النطق واللغة والصوت والتلعثم والاضطرابات ذات المنشأ العصبي وصعوبات التعلم ذات المنشأ اللغوي واضطرابات التواصل الاجتماعي. وتشمل اضطرابات البلع مشاكل التغذية - الأكل واضطرابات البلع. أما اختصاصي السمعيات فهو أحد المتخصصين في التخصصات الصحية التأهيلية ويقوم بتقييم وعلاج اضطرابات السمع والتوازن.
ونظراً لاختلاف الاضطرابات التواصلية واختلاف أسبابها وتأثيراتها على الحواس والوظائف البيولوجية المختلفة عند الشخص، فإن من الأمثل أن تكون طريقة التدخل والتعامل مع هذه الاضطرابات من منظور علمي متعدد التخصصات ومبني على البراهين. بمعنى آخر أن يكون التدخل العلاجي بدءاً بمرحلة التشخيص والتقييم وانتهاءً بمرحلة العلاج والمتابعة من قبل فريق متخصص متكامل يعمل معاً يكون الهدف منه التعامل مع جميع جوانب الاضطراب لتقديم أفضل خدمة علاجية متكاملة للفرد ذات جودة عالية ترتقي بجودة الحياة للفرد وعائلته.
الشفة الأرنبية والشق الحلقي
هو أحد أهم المواضيع التي تناولها المؤتمر في جلساته العلمية.
تعرف الدكتورة نهلة الدشاش الشفة الأرنبية (Cleft Lip) والشق الحلقي (Cleft Palate) بأنهما عبارة عن فتحة أو انشقاق في الشفة العليا أو سقف الفم (الحنك) أو كليهما. وتحدث الشفة المشقوقة والحنك المشقوق عندما لا تلتحم أنسجة الوجه عند الجنين بشكل كامل وتعتبر من التشوهات الخلقية الأكثر شيوعاً عند الأطفال. وقد تظهر كجزء من حالة مرضية أو متلازمة جينية موروثة وقد تحدث كتشوهات خلقية منفصلة. ونتيجة لهذا الشق تتأثر قدرة الطفل على الرضاعة فتصبح لديه صعوبات في التغذية وصعوبات في البلع، مع احتمال خروج السوائل أو الطعام من الأنف وصعوبة في نمو أسنانه، وبالتالي تؤثر على قدرته على تناول الأطعمة وتتأثر قدرته على نطق الأصوات الكلامية بالشكل الصحيح، بالإضافة إلى الخنف الأنفي مع احتمالية الإصابة بالتهابات الأذن المزمنة التي قد تؤدي إلى الإصابة بضعف في السمع.
تعتبر الشفة الأرنبية وشق سقف الحلق من العيوب الخلقية الشائعة. ففي الولايات المتحدة الأميركية، مثلاً، تشير التقارير إلى أن حوالي 1 من كل 1600 طفل يولد بشفة مشقوقة وحنك مشقوق، ويولد حوالي 1 من كل 2800 طفل بشفة مشقوقة من دون سقف مشقوق، ويولد حوالي 1 من كل 1700 طفل مصاباً بالحنك المشقوق فقط.
تحدث الشفة الأرنبية وشق سقف الحلق في وقت مبكر جداً من الحمل، حيث تتكون شفتا الطفل بين 4 و7 أسابيع من الحمل، ويتكون سقف الحلق بين 6 و9 أسابيع من الحمل. وتزداد احتمالية إصابة الأطفال الذكور بشفة أرنبية مع أو من دون سقف مشقوق، أما الفتيات فهن أكثر عرضة للإصابة بالحنك المشقوق دون الشفة الأرنبية من الفتيان.
وحول التعامل مع طفل الشفة الأرنبية، تضيف الدكتورة نهلة الدشاش أن هذه المشكلة تتطلب التعامل من فريق متعدد التخصصات مكون من طبيب الأطفال وطبيب أنف وأذن وحنجرة وجراح التجميل والترميم وطبيب الأسنان واختصاصي اضطرابات النطق واللغة والبلع - تخاطب واختصاصي السمعيات واستشاري في الأمراض الوراثية وممرض متخصص في حالات الشفة الأرنبية والشق الحلقي واختصاصي اجتماعي.
وقد كانت حلقة النقاش الخاصة بهذا الموضوع بعنوان «نهج متعدد التخصصات لتأهيل اضطرابات التواصل: رحلة الشق الحلقي للأطفال»، حيث تكوَّن فريق حلقة النقاش من الدكتورة نسرين العواجي اختصاصي أول نطق وسمع - تخاطب ورئيسة قسم علوم الاتصال الصحي بجامعة الأميرة نورة بالرياض، والدكتور فيصل زواوي استشاري طب وجراحة الأنف والأذن والحنجرة ورئيس برنامج زراعة القوقعة والمعينات السمعية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، والدكتور حاتم النعمان استشاري الجراحة التجميلية والترميمية للأطفال وأستاذ مساعد بجامعة الملك سعود بن عبد العزيز بجدة، والبروفسور علي حبيب استشاري طب وجراحة الفم والأسنان بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.
علاج الشفة الأرنبية
تقول الدكتورة الدشاش إنه خلال حلقة النقاش أكد الفريق على ضرورة معالجة الشفة الأرنبية أو شق الشفاه أو الحنك عن طريق مختصين مهنيين متخصصين في هذا المجال لحساسية هذه الحالة. وتناول النقاش الأدوار المختلفة التي يلعبها كل فرد في الفريق، حيث أكدوا أن لكل متخصص في الفريق دوراً يكون مسؤولاً عنه في مراحل مختلفة من نمو الطفل، كالتالي:
- عند ولادة الطفل بشق حلقي، تكون أول خطوة هي تقييم وعلاج مجرى التنفس ومشاكل التغذية من قبل طبيب جراحة الأنف والأذن والحنجرة ثم مساعدة الطفل على الرضاعة بالتعاون مع اختصاصي النطق واللغة والبلع حتى يتم اختيار حلمة مناسبة للرضاعة.
- خلال الأشهر الثلاثة الأولى، يجتمع الفريق ويأتي دور طبيب الأسنان الذي من الممكن أن يبدأ التدخل في تقويم الأسنان من سن 2 - 3 أسابيع، باستخدام عمليات جراحية أو إجراءات غير جراحية وفق خطورة الحالة. وهنا تأتي أهمية الدور الذي يلعبه اختصاصي علاج النطق واللغة - التخاطب في اتخاذ قرارات التدخل الجراحي مع الفريق المختص كنوع العملية الجراحية، وكذلك في حال وجود قصور في البلعوم كما يقوم بتقييم وعلاج مشاكل النطق واللغة التي من الممكن أن تحدث نتيجة للتشوهات الموجودة.
- عندما يبلغ الطفل 9 - 12 شهراً، يتم التدخل الجراحي عادة من قبل جراح التجميل والترميم في الشق الحلقي وتكتمل المعالجة حيث يبدأ بتصحيح الشفة المشقوقة والحنك المشقوق من خلال سلسلة من العمليات الجراحية حتى يستعيد المظهر الطبيعي للفم.
- يأتي دور اختصاصي السمعيات، في حال تم الاشتباه بوجود ضعف سمعي عند الطفل فيقوم بتقييم وعلاج صعوبات السمع التي قد يعاني منها الطفل.
- أما استشاري الأمراض الوراثية، فيقوم بمراجعة التاريخ الطبي والعائلي للطفل، كما يقوم بفحص الطفل للمساعدة في التشخيص. ويقوم أيضاً بتقديم المشورة للعائلة فيما يتعلق بمخاطر تكرار الحمل في المستقبل في حال كان الشق الحلقي بسبب جين وراثي.
- بالنسبة للتمريض فيجب أن تكون الممرضة المسؤولة عن الحالة تجمع بين الخبرة في تمريض الأطفال والتخصص في رعاية الطفل ذي الشق الحلقي، وتعمل أيضاً كحلقة وصل بين العائلة وباقي أعضاء الفريق.
- أما الاختصاصي الاجتماعي فيقدم التوجيه والإرشاد لأسرة الطفل وطريقة التعامل مع الجوانب الاجتماعية والعاطفية للشق ويساعد العائلة بالدعم المجتمعي المناسب ويسهل عليهم أي إحالات لازمة.
وتعتمد الخدمات التي يقدمها كل فرد في الفريق الطبي المعالج على شدة المشكلة لديه وطبيعتها، ولذلك يجب أن يجتمع الفريق بشكل دوري لوضع خطة مناسبة لكل مرحلة من مراحل تقدم الطفل، كما على الأبويين الاحتفاظ بالتقارير والسجلات الطبية للطفل والحفاظ على نظافة فم الطفل، كما يجب عليهم توعية أنفسهم بمشاكل النطق واللغة والسمع والتدخل السريع في حال وجود أي مشكلة.
وقد أوصى فريق جلسة النقاش بأهمية استحداث فريق طبي خاص بالشفة الأرنبية والشق الحلقي في جميع مستشفيات المملكة، حيث إنه حالياً لا يوجد فريق متخصص إلا في أحد مستشفيات مدينة الرياض.
تشمل الاضطرابات التواصلية اضطرابات النطق واللغة والصوت والتلعثم والاضطرابات ذات المنشأ العصبي وصعوبات التعلم ذات المنشأ اللغوي واضطرابات التواصل الاجتماعي
درء الحالات
هل يمكن منع الشفة المشقوقة والحنك المشقوق؟ لا يمكنك دائماً منع الشفة الأرنبية وشق سقف الحلق عند الطفل. ولكن هناك أشياء يمكن القيام بها للمساعدة في تقليل فرص إصابة الطفل بهذه العيوب الخلقية، منها:
- تناول حمض الفوليك: قبل الحمل، تناول فيتامينات متعددة تحتوي على 400 ميكروغرام من حمض الفوليك كل يوم. وأثناء الحمل إلى الولادة، 600 ميكروغرام من حمض الفوليك كل يوم.
- عدم التدخين أو شرب الكحول، بما فيها البيرة والنبيذ وجميع المشروبات الكحولية.
- عمل فحص طبي ما قبل الحمل، للمساعدة في التأكد من صحة الأم عندما تحمل.
- المحافظة على وزن صحي قبل الحمل، والتحدث إلى الطبيب حول المقدار الصحي لاكتساب الوزن أثناء الحمل.
- التحدث إلى الطبيب للتأكد من أن أي دواء تتناوله المرأة آمن أثناء الحمل. قد تحتاج المرأة إلى التوقف عن تناول دواء أو التحول إلى دواء أكثر أماناً أثناء الحمل. عدم التوقف عن تناول أي دواء دون التحدث إلى الطبيب أولاً.
- عندما يحدث الحمل، يجب الحصول على المتابعة والرعاية الطبية أثناء الحمل وما قبل الولادة مبكراً وبشكل منتظم.
*استشاري طب المجتمع