رامي الريس
كاتب وصحافي وأستاذ جامعي من لبنان، وباحث ومترجم، يكتب في القضايا العربية والدولية، يحمل شهادة ماجستير في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية في بيروت، وله مشاركات في العشرات من المؤتمرات وورش العمل في لبنان والخارج.
TT

هل ينجو لبنان ممَّا يخطط له في المرحلة المقبلة؟

استمع إلى المقالة

لا يُحسد لبنان إطلاقاً على الموقف السياسي والعسكري الذي يعيشه في هذه المرحلة الصعبة من تاريخه الحديث. حجم الضغوطات السياسيّة الأميركيّة غير مسبوقة، والانتهاكات الإسرائيليّة لا تتوقف يوماً واحداً، و«حزب الله» -الطرف الأساسي المعني بتطورات الوضع الراهن- لا يتراجع، بل يعيد استنساخ خطابه الرافض لتسليم السلاح رغم سقوط معادلة توازن الردع التي تغنّى بها منذ العام 2006، والتي يفاخر بما حققه فيها سياسيّاً، وعسكرياً.

من الواضح أنَّ الحفاظ على السلاح بالطريقة التي كانت قائمة فيها الأمور منذ انتهاء الحرب الأهلية سنة 1990 لم يعد مقبولاً من الغالبية الساحقة من اللبنانيين التي تتطلّع إلى قيام دولة قوية، وقادرة، وعصرية، وهذا منطق مشروع، ومحق، ولو أنَّ قسماً من اللبنانيين يتغاضى تماماً عن اعتداءات إسرائيل كي لا نقول إنَّه يشجع حصولها للتخلص من الحزب.

كما أنَّ استدامة الوضع السابق من بقاء منظومة السلاح خارج الدولة لم تعد مجديةً أيضاً، نتيجة الهزيمة الكبيرة التي مني بها «حزب الله» باغتيال قادته الكبار (والاغتيالات لا تزال مستمرة)، وعملية تفجير «البيجر» والأجهزة اللاسلكية التي بيَّنت حجم الاختراق الاستخباري الذي تعرّض له هذا التنظيم الذي كان يوصف بأنه «حديدي»، ناهيك عن تفجير مستودعات السلاح، والتدمير الكبير الذي لحق بقرى وبلدات الجنوب اللبناني، والتي لا تزال دون إعمار بعد مرور سنة على وقف الحرب لكثير من الأسباب، أولها استمرار الاعتداءات الإسرائيلية.

هناك من اعتبر أنَّ الحزب ارتكب خطأ تاريخياً من خلال التورط في حرب الإسناد، وأنَّ الحرب لم تحقق الهدف الرئيس منها (أو المعلن على الأقل) الذي تمثّل في دعم غزة وأهلها، فالحرب تلك أدَّت إلى سقوط أكثر من 77500 شهيد ومفقود (وفق إحصاءات نشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية)، كما أنَّها أتت على غزة بالكامل دماراً، وتهجيراً.

وبالتالي، عوض أن تكون جبهة الجنوب اللبناني قد ساندت الشعب الفلسطيني، إذ بها تمنح إسرائيل فرصة ذهبيّة -في لحظة دعم والتفاف دوليين غير مسبوقين حولها بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023- للانقضاض على لبنان، وتدمير البنية التحتية العسكرية، والسياسية لـ«حزب الله» بعد أكثر من أربعين عاماً على البدء في بنائها بدعم مباشر ومتواصل من إيران.

مهما يكن من أمر، فإن قرار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية هو قرار صائب، وطال انتظاره، ولا يمكن التراجع عنه، دون أن يعني ذلك تنفيذه بالقوة، لما لذلك من محاذير على طبيعة التركيبة الداخلية اللبنانية، وعلى نمط الذهنية التي يعمل بها «حزب الله» الذي يربط وجوده بوجود السلاح (رغم أن بإمكانه الاستمرار في العمل السياسي دون سلاح أسوة بباقي الأحزاب اللبنانية)، إنما يقوم بذلك لاعتبارات عقائدية، وسياسية، ومشاريع إقليمية.

خطوة جمع السلاح من كل الأطراف اللبنانية نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني اللبناني (اتفاق الطائف) التي تم التوصل إليها سنة 1989، والتزمت جميع الميليشيات اللبنانية المسلحة باستثناء «حزب الله»، لأن الأرض اللبنانية كانت محتلة لغاية العام 2000. ولقد دار جدل وطني واسع حول حرب 2006، ومسبباتها، ونتائجها، ووجهت الاتهامات القاسية لـ«حزب الله» أنه «ورّط» لبنان في حرب لم يكن هناك طائل منها، والأمر ذاته تكرر عام 2024.

إذا كان مطلوب من «حزب الله» ألا يتجاهل المتغيرات الكبرى التي حصلت في المنطقة خلال العامين الماضيين، وأن يبادر بالتالي إلى تسليم سلاحه في جنوب الليطاني وشماله؛ فلعل المطلوب أيضاً من الجهات الدولية الداعمة لإسرائيل -وفي مقدمتها الولايات المتحدة- أن تمارس الضغط اللازم عليها لوقف اعتداءاتها اليومية على لبنان، واللبنانيين بما يتيح إتمام الترتيبات المطلوبة للمرحلة المقبلة التي أخذت جرعة إضافية من خلال ترؤس مدنيين لوفدي لبنان وإسرائيل للجنة «الميكانيزم».

الواضح أنَّ لبنان لن ينجوَ في المرحلة المقبلة لا من الاعتداءات الإسرائيلية، ولا من الضغوطات السياسية للتوصل إلى اتفاق ما يحاكي ما يجري في المنطقة من «اختراقات» سياسية، وغير سياسية، بدءاً من سوريا، ووصولاً إلى عدد من الدول العربية.